ادب وفن

بالقصيدة تسمو الحياة / فوزي الاتروشي


التقينا يوم 22/12/2014 شعراء وكتاباً ونقاداً ومثقفين عند ضريح ابي الطيب المتنبي، مالىء الدنيا وشاغل الناس , واجتمعنا على بساطة الشعر الملون بكل ألوان الحياة لنردد كلماته الطيبة التي كانت ومازالت تشع فينا ضوءأ وتبهرنا عطرا ً وطيبا.
التقينا تحت شعار "بالقصيدة تسمو الحياة"، ونحن نكاد نراه ونسمعه يتجاوز كل غبار القرون وتراكمها ويحضر بيننا كأكثر الحاضرين حضورا ً اليس هو القائل:
أنا الذي نظر الاعمى الى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صممُ
أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جرَاها ويختصمُ
فأذا كان الأعمى يراه والاصمُ يسمعه
فكيف بنا نحن الأصحاء الجالسين عند ضريحه؟
المتنبي اختزل الحياة أحيانا ًفي قصيدة واحدة واختزل الحكم والأقوال المأثورة في بيت واحد كان ومازال يتردد شعبيا ً على السنة الناس, فهو اذ أصبح محل اهتمام النخبة من النقاد وكبار المثقفين ومؤرخي الادب العربي , الا انه بالتزامن مع ذلك مازال على مر العصور الشاعر الاكثر حضورا ً في الشارع وحيثما التأم جمع من المثقفين. لأنه اضافة الى الرصانة والبلاغة والبيان والتكثيف والايجاز وتفعيل الطاقة التعبيرية للمفردة, حرص ان يكون شعره مفهوما ً لدى المتلقي والقارئ فجمع صفة النخبوي والشعبي في شعره لتكون قصائده شواهد عصر وخزائن حكمة ومنابت لأقوال مأثورة , دعونا نسمعه:
أغاية الدين ان تحفوا شواربكم
يا أمة ضحكت من جهلها الامم
لقد اشار هنا لظاهرة مازالت تتكرر في أيامنا هذه حيث الاسترزاق والتكسب والتكفير والتخوين بإسم الدين بلغ اوجه في وقت الدين النقي الصحيح والذات الألهية من كل هذا بريء.
اما تردده على صديقه سيف الدولة وكافور الاخشيدي في مصر فقد حفزته كل مرة للحفر والتنقيب في قيم الحياة وتحولاتها وانتقال الاصدقاء الى اعداء وبالعكس, وماتفعله الغيبة والنميمة في تدمير الصداقات الجميلة واحلال الكره محل الحب فما اجمله حين يقول:
يا أعدل الناس الا في معاملتي
فيك الخصام وانت الخصم والحكم
أو:
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
القصيدة الشعرية هي زادنا ومتاعنا في الحياة حين لايكون لنا زاد غيره , فبها نتوجه الى حبيباتنا ونعبر عن اشواقنا واحلامنا ونصف من وما حولنا من ظواهر ومظاهر سواء اعجبتنا أم لم تعجبنا, والقصيدة طريقنا للتغني بالوطن وتصوير البطولة والتضحية الانسانية فيها فعلا ً تسمو الحياة وتزهر وتزداد املا ً وتفاؤلا ً وضوءا ً, وبها تستكين جراحنا وشهداء الامنا, ويستيقظ فينا الانسان العاشق التواق للحرية والانعتاق لذلك لابد ان تكون القصيدة مفهومة وواضحة وسعة موسيقية وغنائية ومكثفة وموجزة وقادرة على ايصال الرسالة وفق القول المأثور خير الكلام ماقل ودل. ان الترهل والتصحر والضبابية والتعقيــــد والتعويل عن مقولة المعنى في قلب الشاعر امر لا يستقيم مع المنطق . نقول هذا لان شاعرا ً مثل المتنبي لو كان حيا ً بيننا لرمى مئات من دواوين المتطفلين على الشعر في النهر وجردهم من ثيابهم الشعرية المتهرئة والرثة. فما يكتب اليوم تحت عنوان الشعر المرسل او النثر. هو فعلا ً نثر وليس شعرا ً وهو يكتب للعقل في حين الشعر اساسا ً يكتب للقلب والعاطفة والاحاسيس الوجدانية. ان شعراء مثل السياب ونازك الملائكة ولميعة عباس عمارة والحيدري ونزار قباني ومحمود درويش وسميح القاسم وايليا ابو ماضي وعمر ابو ريشة والاخطل الصغير واحمد شوقي واحمد رامي وعشرات غيرهم دخلوا الذاكرة الجمعية. واستوطنوا لانهم اعتمدوا القيم والمعايير الحقيقية لكتابة الشعر وظلت ومازالت قصائدهم تدور على الالسنة وتدور على الناس دون ملل او ضجر. وهذا ماتنبأ به المتنبي منذ البداية ومايصح على الساحة العربية يصح على الساحة الكوردستانية فأسماء مثل (فائق بيكه س) و (بيره ميرد) و"نالي" و"عبد الله به شيو" والشاعرة "كه زال احمد" وآخرين كثيرين خلدت وشاعت لهذا السبب, واذا دخلنا الساحة العالمية فأن هناك اسماء لاحصر لها كان تميزها وفرادتها وتفوقها معتمدا على نفس المبدأ هو ان يترك الشعر لأهله وان لايجري خلطه بأي جنس ادبي اخر كالخاطرة والمقال والقصة والقصة القصيرة وما الى ذلك من الفنون السردية، فألشعر غير معني بالتفاصيل بل باللمحة الخاطفة والصاعقة المبهرة والمثيرة اما السرد والحكاية فلها قياسات اخرى. شكرا لمهرجان المتنبي لأنه أثار في ذاكرتي هذه التساؤلات فسجلتها على الورق.