ادب وفن

الحركة الرياضية ونصب الحرية / وصفي إبراهيم *

كنت طفلا صغيرا حين رافقت والدي في سياحة إلى معالم بغداد الأثرية ومنها المدرسة
المستنصرية والمتحف البغدادي وسوق السراي والقشلة وطوب ابو الخزامة ومقهى حسن عجمي والبرلمان وشارع المتنبي وسوق الصفافير وملعب الشعب وأخيرا حط الرحال بنا في ساحة التحرير ودخلنا نفق التحرير ومن ثم خرجنا الى حيث حديقة الأمة الرائعة والتي تصدرها نصب الحرية الخالد... هذا العمل الفني المجيد الذي وصفه والدي وشرحه لي بالتفصيل وأكد على جدلية الحركة التي جسدها جواد سليم في جموح الحصان وانطلاقه, وأكد لي أن هذا النصب هو نتاج رائع للفن النحتي و المعماري.
ان اللاشعور قد خزن هذه الذكريات الجميلة وكلما تمر السنون يشدني احساس غريب يدعوني لتكرار تلك السياحة فشددت الرحال الى بغداد أم الدنيا, ونزلت في باب المعظم بالقرب من المطبعة الحكومية المهدمة و المثخنة بالحزن والاسى منذ عام 2003 م و التي لم يُعد اعمارها لحد الان ولم تمتد لها يد الإصلاح والاعمار!، لإعادة بنائها من جديد ودخلت شارع الرشيد وتجولت فيه مشيا على الاقدام, ولم يبهرني كما أبهرني وادهشني في طفولتي وفتشت عن سوق الصفافير, المعلم التراثي والسياحي, فلم أجده وصرخت وصحت فأجابني الشاعر الجاهلي زهير بن ابي سلمى:
وقفت بها من بعد عشرين حجة فلا يا عرفت الدار بعد توهم
فلما عرفت السوق قلت لربعها الا انعم صباحا ايها الربع و اسلم
ثم وصلت ساحة التحرير وكذلك لم أجد سوق النفق الجميل وتوجهت لنصب الحرية لأشكو له آلامي وأحزاني وشدة حالي, وعندما وقفت تحته سرني جدا وجود عدد من الحمام يلتقط الطعام بقربي وكانت حركتها في الالتقاط تحاكي الحركة عند حمامات جواد سليم في نصبه...
لقد أمعنت النظر في النصب فوجدته بحق معبرا عن التراث الحضاري لوادي الرافدين.. وان جموح الحصان والثور وحركة العامل وهو يحمل مطرقته وحركة السجين الذي يحرر نفسه وجمهرة المتظاهرين والمرأة حاملة الشعلة... أكدت لي ان الفنان الخالد جواد سليم استطاع بإبداع ان يجسد جدلية الحركة التي شاهدها أيضا في حركات الزورخانة وكل انواع الرياضة في العراق ومنها كرة القدم و السلة و الطائرة والعاب الساحة والميدان ويؤكد لنا التاريخ منذ قديم الزمان على أن الأفراد ابتكروا طرقا و اساليب كثيرة للحركة, فكانوا يجرون الحبل و يرمون الحجر ويتصارعون ويسحبون و يتسلقون الأشجار والنخيل ويصنعون كراتهم من الوبر والخرق البالية ويستخدمون العصي في ألعاب كثيرة وكانت هذه الحركات التي نسميها في الوقت الحاضر بالألعاب الرياضية مقترنة بكثير من الانظمة الانضباطية المتوارثة عبر الأجيال.. وهنا برز أمامي هذا التساؤل , هل بالإمكان استلهام المؤثرات و الرموز و القيم الجمالية والأسطورة الملحمية لنصب الحرية؟ للفنان جواد سليم الذي تفهم الماضي فهما إبداعيا وأخذ منه الروح والجوهر ونعمل نصباً للرياضة في العراق, لقد اجتهدت أن أصمم نموذجاً لهذا النصب يحاكي جدلية الحركة والتناغم الموسيقي للنصب وهي دعوة لكل المهتمين بالحركة الرياضية لعمل تصاميم لهذا النصب يحاكي نصب الحرية الخالد ومع هذه المقالة أقدم نموذجاً لنصب الرياضة في العراق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* فنان تشكيلي - كندا