ادب وفن

قراءة في المجموعة الشعرية "هدوء الفضة" / ناهض الخياط

صدرت للشاعر مقداد مسعود مجموعته الشعرية "هدوء الفضة"، عن دار الضفاف للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 2014. وقد اكتنزت المجموعة بواحد وخمسين نصا. صمم غلافها رفيف فارس، كما دونت على واجهة الغلاف الأزرق كلمات التعريف بالمجموعة بحروف فضية ناصعة، كما دونت على الوجهة الثانية، وباللون الفضي ذاته ما كتبه الشاعر بتوقيع "معتزلي معاصر"، ومنه:"في اجتراح كائن لغوي\ تصدى بعزيمة طفل\ لكل ما يجري من أسلاك".
فهل تمكن التصميم بمجمله أن يكون مدخلا ميسرا لعالم مجموعته، وهي تواجهنا بصفحتها الأولى: يا صانع البروق
من ذا الذي رأى فضة
تجفف بقاماتهم يديها
مع ما تواجهنا بقصيدته الأولى "مرتجى الفضة"، حيث بدايتها:
ما تصورتها....
الآن..
..بعد آلاف وآلاف من الخطوات والكدمات
تيقنت...
أن كتابة ًصابرة انتظرت خطوي
لأقرأ فضتها...
وظل الشاعر مراوغا في غموض نصوصه، بدءا ًمن قصيدته الأولى ( مرتجى الفضة ) حتى الأخيرة منها "مؤجل الفضة": هاهي تتهاطل\ فتيت قداح\ ملء راحتي... ليكشف استقراؤنا لها ما الذي ينطوي عليه هذا الغموض من خيبته بما كان يأمله من معرفته بجوهر الحقائق في كل ما يراه، وجزائه عن نضاله من أجلها.
غير أن عنوان المجموعة "هدوء الفضة"، مع تبديات لتشخيص جمالها، هنا وهناك، لأن الجمال يأبى التعبير عن نفسه بغير فصاحته، فهو بذلك يساعدنا على استجلاء هذا الغموض. فالشاعر حين أسبغ الصفات الإنسانية على هذا المعدن الثمين، جعلنا نتعامل معه خلال النصوص، بكونه إنسانا جميلا ونافعا، فلا يخرج عن اعتقادنا بأن هدوء الفضة هو هدوء الشاعر نفسه، بل هو الفضة نفسها: الفضة وحدة الأضداد في مكنونها". "وها نحن ..
نخترق المصد بسراجنا
عابرين بفضتنا .. ذلك الجسر".
وكذلك:"هذه الفضة تشعشع في روحي".
تتميز الفضة، كما نعرف، بقيمتها ورحابة استعمالها بين الناس في شؤونهم الحياتية المختلفة:
أدواتٍ وحلي وتحف، وما تحمله من دلالات مباركة في الخواتم، والشمعدانات والمباخر في الطقوس والمناسبات المختلفة، ولا أدل من الآية الكريمة "وحلو أساور من فضة" على ما فيها من بركة وجمال.
وها هو الشاعر يحمل شمعداناته:"بعزيمة الفضة أحمل شمعدانين"، كما يصوغ منها حجلا لحبيبته:" أصوغه لقدمك اليمنى حجلا".
إن الاستقراء المتأني لهذه النصوص بكتلتها الشعرية "الفضة بهدوئها" كما اجترحها الشاعر، نرى صورا ومشاهد وتأملات متداخلة مع بعضها بانزياحاتها في بنيتها المائزة بين ما ألفناه من بديع النصوص، وقد مارس الشاعر في استغرقه بها ما يمارسه الصوفي في شطحات القول والخيال:
"ها أنا الآن في لحظة فضية
لا الأمام أمام
ولا الوراء وراء".
ويأخذنا استقراؤنا تارة أخرى إلى أن الشاعر ذاته، بكونه إنسانا وديعا ، وشاعرا مبدعا يفتح قلبه وذراعيه لما تنبض وتتألق به الحياة، وما تصهل له رجولته، فيجد "الأيروسيون" في بوحه الساخن ما يمارسونه حقيقة مع الحب والجمال:
"... مطري لا يبلل سواك ِ
في شرشفك أنبض نجمة صحراوية اللهاث ...
تجاعيد شرشفك وحدها
تكتب تماوجات زرقة البارحة "قصيدته:غيرة الشيفون".
كما يكشف لنا، في غفلة منه، كيف يدهشنا الكلام في بساطته:
ترتفع البحيرة بفضتها مثل من ينفض شرشفا فضيا بكلتا يديه فهل تمكن استقراؤنا من الإحاطة بالمغزى الذي أوحت به إشاراته ورموزه الخاصة في سياق بنيته الشعرية التي صمم على اجتراحها ليتيح لأعماقه الانطلاق بحدود التوازن بين لغة التجريب البنيوي في انزياحاته لأقصى حريته وسلطة اللغة الضابطة التي درج الشاعر على إخضاع ثقافته للوصول إلى أهدافه الفكرية والجمالية "فالسعادة: جورية تندلع من لهب الاكتشاف، وليس الأمر منبجسات هذيان فضي".