ادب وفن

دواوين بين خطوةٍ واثقة وأخرى لم تكتمل دورتها / وليد جاسم الزبيدي

في مطلع هذا العام 2015 كانت بين يديّ إصدارات لثلاث نساء شاعرات، الأولى من المغرب الشاعرة د. فاتحة مرشيد، (طبيبة الأطفال)، ديوانها الثامن "أنزع عنّي الخُطى" سنة 2015 ، ط1/ دار توبقال للنشر- الدار البيضاء- المغرب، وهو بالقطع المتوسط، عدد صفحاته "103" صفحات، وقد جاء هذا الديوان، بأسلوب ومنهج مختلف، وبذات الإبداع لدواوينها التي سبقته: "إيماءات-2002، ورق عاشق-2003، تعال نُمطر-2006، آخر الطريق أوله -2009، ما لم يُقل بيننا- 2010".
لقد تابعتُ كتابات الشاعرة والروائية المغربية (طبيبة الأطفال) منذ عام 2008م وليومنا هذا، ووجدتُ صوتها ينمو وينضج بل تزخرُ بالأبداع، وقد تجاوزتْ الكثير من إشكاليات الكتابة بين عقدة الشكل وموسيقية المعنى وصورة الدّال والمدلول أن تركب موجة التجديد والحداثة في نصوص الومضة. وهاهي في ديوانها الأخير "إنزعْ عني الخُطى" في نصوصه الأربعة، تُقدّم كلّ نص من نصوصها بنص إلى "فريدريك نيتشه" الفيلسوف الألماني (المتوفى سنة 1900)، والذي لديه آراء معروفة بالاتجاه المضاد للمرأة، حيث كان يعتقد من خلال كتاباته وأفكاره، أن المرأةَ مصدر كل الجنون واللاعقلانية، وهي الكائن الذي يشتت أنتباه الرجل الفيلسوف.. أذن لماذا "نيتشه"..؟ ولماذا فلسفته؟ هل وافقته الشاعرة في رؤاه وفلسفته؟ أم ماذا..؟.
أن الشاعرة وضعت أقوال وفلسفة نيتشة في صدر كل نص من نصوصها كي تمنح للمتلقي فرصة المقارنة بين ما يعتقد الفيلسوف وبين ما تفعله المرأة من نحت في الدلالة والمعنى، وما ترسمه في الحداثة من تطور.. بل نريد أن تمنح للفكرة والصورة الشعرية فرصةً للحوار وأن يكون المتلقي هو الحكم في إعلان النتيجة..
لقد كان:1- النّص الأول، الذي وضعت عنوان الديوان منه: إنزعْ عنّي الخُطى. كان المخاطب في هذا النّص "الليل" حيث تكرر "أيها الليل.." و"أيها السائر":" أيها الليل/ أيها الصديق الذي لا يعرفني/ إفتح عيونك/ كي أبصرني...".
2- النّص الثاني:لن أموتَ مرتين. كان خطاباً للحزن والمجهول والطريق اللاواضح، "قد أستغني عن الفرح/ أما الحزن/ فعماد الاعماق البشرية".
3- عطلة الحب: وهذا النص فيه اشتغال على الزمن. "ظل الزمن بيننا منكمشا كرداءٍ قديم". 4- هلوسات الماء: وهي مناجاة الروح، والشعور بالتيه، "أين أدسّكَ/ حين لا رداء/ سوى العطر"؟ و.. "دثّرني بالغموض.."/ .. وهكذا فقد انطلقت الشاعرةُ بفلسفتها الشعرية كي تثبت أن المرأة تستطيع مجاراة العالم بجمال الإحساس والتفرد والجدّة.. وبهذا تُثبتُ الشاعرة ركازة تجربتها وخزينها المعرفي الذي توظفه في صياغة جمالية الصورة والموضوع.
أمّا الشاعرة الثانية فهي من العراق د. ليلى الخفاجي، ديوانها "حلم ليلة غامضة" عن دار ومكتبة عدنان، ط1، 2014م، القطع المتوسط، عدد الصفحات "128" صفحة.
جاء ديوانها الأول خجولاً لا يبوح بملامح تجربةٍ بعد، فقد كانت الصورة مشوشة، ومضطربة أحياناً، ولكن يحسب لها في أنها جعلت الومضة خيمةً للعمود الشعري وشعر التفعيلة الذي كان حاضرا بقوة، ونصوص نثرية تحتاج الى خبرة أكثر ودربة..وقد جعلت نصوصها من دون عناوين ودون أرقام.
والشاعرة الثالثة التي أحتفينا بها في الحلة هي الشاعرة (فرح دوسكي)، ديوانها الثاني "أحاول دحرجة الأيام"، الصادر عن المركز الثقافي بابل- دمشق- القاهرة ،ط1، 2015م، القطع المتوسط، عدد الصفحات "63" صفحة. واشتمل الديوان على "16" نصاً بين الطويل والمتوسط، والومضات. واللافت للنظر صورة الغلاف التي تعكس مأساة جبل سنجار، وقد بثت الشاعرة في ديوانها رسائل الظلم، والمأساة، فقد كان الديوان بيان الفاجعة العراقية، والموت الذي ظل مخيما والسواد الذي غطى البلاد.. صورها الشعرية صورٌ فوتوغرافية للدمار والموت والجوع، فهي تقول:"لِمَ أتينا بزمن التمائيل/ وحانَ ميقات الحنين/ لِمَ الخيامُ أكثر من القناديل؟.."، وتقول في نص آخر: "أترملُ بين وردتين/ الجوعُ مخضّب/ يبسطُ كفّيه على حافة الرغيف.."، وتقول في نص آخر: "لو كنتُ إلهاً لأخترتُ لهذا الوطن المنكوب رسولاً يشبهني...".
لقد كان العراق، وأهل العراق الذين أبتلوا بالمأساة حضورا بين دفتي الغلاف..
شكرا للشاعرة فاتحة مرشيد من المغرب، وشكراً للشاعرتين العراقيتين د. ليلى الخفاجي، وفرح دوسكي على ما قدمن من جهد، نتمنى أن نقرأ نتاجات أخرى تمثل تجربة أكثر رصانة وإبداعاً..