ادب وفن

إضفاء الحداثة «أحاول دحرجة الأيام» / ناهض الخياط

الشاعرة "فرح الدوسكي" من الشاعرات اللائي يشار لهن في ميدان الشعر العراقي الحديث، لما تمتاز به من اقتدار شعري لموهبة وثقافة تعي أهمية الشعر ودوره في الحياة.
لقد واكبت ُ الشاعرة منذ ديوانها الأول "تائه بذاتي/ 2007" الذي حالفني الحظ باقتنائه مع توقيعها عليه، ليتسنى لي استقراؤه، والكتابة عنه، فرأيت فيه موهبة شعرية أصيلة، تضع خطواتها بثقة في طريق الشعر العسير الطويل الذي غادره الكثير من الذين افتقدوا القدرة والصبر على مواصلة السير فيه عبر المصدات والخسارات التي يواصل الشاعر الأصيل تقديمها بأريحية وسخاء! مسندا رأسه بكفه على حلم لا ينام:
من يمنحني فوزا يليق بهذا الدوار
وأنا أترقب الوقت المقبل في المرآة
أكتب بالدم والأغنيات
تقدمي بغداد..!
تؤكد لنا "فرح الدوسكي" أن الموهبة الأصيلة تنطوي، أبدا، على ما يحفزها، ويدفعها إلى التطور والتجديد الملائم للزمن الذي تعيشه دون تطرف، أو ادعاء، أو تقليد أعمى لما يعدّه البعض من سنن الحداثة، دون فهم لمعناها، وقوانين تطورها المعبّر عن إرادة الحياة.
في هذه المجموعة تتعامل الشاعرة مع واقعها بما يفرضه الالتزام الوطني من تضحية شاملة في حربه وسلمه عبر مراحل النضال والبناء. ولذا نجد الشاعرة تحافظ في كتابتها على ما درج عليه الشعراء من الخطاب الساخن الواضح الذي يحقق لهم أوسع دائرة للتأثير في القارئ المتعلق روحا وفكرا بمثل هذا الخطاب مع القدرة على إضفاء ما تتطلبه الحداثة في صياغاتها
أنظر إليك بارتباك
من ثقب عباءة الغرباء
أرى ممالك الفقراء مفتونة ًبرواية ٍ
لا تستيقظوا
قبل أن تأذن لكم الجماجم ُ.. قصيدتها "بغداد"
مع انفرادها بخصوصيتها الشعرية المرتبطة بتطور البنى الشعرية على مستوى المضمون والشكل ، في معالجاتها الإنسانية والوجودية، ليتحقق لمضمونها الشكل المناسب في هذه المعالجات، وما هذه الومضات المتألقة في مجموعتها إلاّ دليل على تعلقها بالحداثة، وما يميزها من ابتكار في الأسلوب الذي يخضع فيه الشكل لمعناه، مع ما في بناه من عمق ووضوح.
وهذ ما يؤكد صدق الشاعرة في التعبير عن أحاسيسها في حالاتها المختلفة، ووقوفها مما تتطلبه الظروف الضاغطة عليها، وفي ما تريد أن تقول:
أنا كلما احتجت حروفي
أطلقوا عليها النار، ملؤوها ترابا
حتى صارت قصيدة حب بشعر أبيض..
يبدو الصدق واضحا في ما عكسته لنا الشاعرة في نصوصها، وهي تظهرها امرأة: أما وكادحة وشاعرة:
أترمل بين وردتين
أعض الجوع
تسابقني كلاب الطرق
وما بين الثعلب والضواري
الدم يوشك أن يتجمد..
وهي المواطنة التي تشارك أخاها المواطن في معاناته الكبيرة في ميادين حياتهما المهددة بالأخطار والموت في كل آن:
آن أن أبعد الطوفان عن ضفيرة القبيلة
وأوزع الحلم على الجهات..
وتواصل الشاعرة طريقها الصعب الطويل، وهو طريق "بغداد": "أعرف حزنك ِ وأنت تعبرين على عواصفك"، كما تثبّت قدميها، وتشد ذراعيها لتدحرج أيامها الثقيلة إلى الأمام..!
فينتهي استقراؤنا إلى دقة الشاعرة في اختيار العنوان "أحاول دحرجة أيامي"، ليكون مدخلا واعيا لمجازات نصوصها التي صورت لنا بوضوح ما مهدّه عنوانها!