ادب وفن

علي عبد عيد ...المشهد الفني أسيرا للمزاجية / حاوره باسم صاحب

علي عبد عيد من مواليد الناصرية 1966 فنان موسيقي صقل موهبته من خلال فرقة الشباب في مدينة الناصرية، عرف بحسه المرهف، وأتقن العزف على العود، وأظهر إجادة واضحة بجميع المقامات العراقية عند مشاركة المحافظة في المهرجانات الداخلية والخارجية، تأثر بالغناء والموسيقى من خلال المبدعين من أبناء الناصرية في هذا المجال، وكان قريبا جدا للمطرب الراحل فتاح حمدان، انتخب لدورتين متتاليتين رئيسا لنقابة الفنانين في المحافظة، مثابر في عمله يسعى مع زملائه في الهيئة الإدارية للنقابة أن تلعب دورها الحقيقي في المدينة ، سلطنا بعض أسئلتنا حول عمل النقابة ودورها في الوقت الحاضر.
* المشهد الفني بشكل عام في المحافظة بعد 2003 ؟
- كنا نأمل بعد التغيير أن يكون المشهد الفني والثقافي أفضل حالا عن ذي قبل .. أجواء الحرية والانفتاح الإعلامي بلا حدود مما شجعنا على هذا الأمل لكن نلاحظ أن المشهد ظل أسيرا لمزاجية المؤسسة الثقافية الرسمية والتي تعاملت بطريقة فوقية مع المثقفين والأدباء والفنانين مما خلق فجوة كبيرة بينهما.إن الفن الذي ننشده فن جمالي يهدف إلى القيم الإنسانية النبيلة وان يتصدى للأصوات النشاز والأبواق الشاذة التي تريد خلق الضوضاء والفتنة والتناحر وإشاعة الفرقة، سيما وان الفنان العراقي يعاني ويعيش تحت وطأة الفقر والحاجة والحرمان والأوضاع المأساوية كما نلاحظ الآن إن البراغماتية هي اليوم السائدة في كل مناحي الحياة، لا تستغرب أن يكون الفنان في مواجهة وصراع مع الحياة لأن الواقع الذي نعيشه مرير ولا يرحم.
* تشعب نقابة الفنانين من خلال الاتحادات الفرعية، ألا يضعف عملها؟
- منذ تأسيس الدولة العراقية تشكلت النقابات المهنية، منها الثقافية والفنية حسب قرار 122 وتمت المصادقة عليها عام 1969 .. هذه النقابات مهنية البنية، ديمقراطية التكوين وتوجد قواسم مشتركة مع الوزارات العراقية حسب الاختصاصات، ولكل نقابة نظامها الداخلي مصادق عليه من قبل الحكومة وتعتبر الحكومة الطرف الأول ووزارة الثقافة الطرف الثاني وتعتبر نقابات شبه رسمية.. نحن مع بناء دولة المؤسسات وبناء دولة مدنية لكن نلاحظ تشظياً واضحاً في النقابات والاتحادات وتحول البعض منها إلى دكاكين صغيرة هدفها مادي وليس إبداعي فنياً، ناهيك عن بعض السياسيين الذين شجعوا على ذلك ليضعف الثقافة في البلاد كما هناك سياسيون ينظرون إلى النقابات المهنية ( منظمات مجتمع مدني ) ونحن من هذا المنبر نقول لهم أن نقابة الفنانين نقابة مهنية ثقافية فنية أدبية. أما منظمات المجتمع المدني، فمن حق أي شخص يؤسس منظمة ما وبالتالي يقوم بجمع المساعدات والمشاريع من قبل منظمات دولية مثل حقوق الإنسان، حقوق المرأة، إنعاش الاهوار ويقوم بفتح ورشات عمل.أعتقد أن على الحكومة أن تلتفت التفاتة حقيقية وصادقة إزاء النقابات والاتحادات والجمعيات الثقافية والأدبية والفنية في البلاد وعدم أدلجة نقابة هنا أو هناك .
كما نرى ان بعض الاتحادات منذ تأسيسها لحد الآن لن تجري انتخابات وهذه حالة خطيرة جدا.
* أقرت قبل عامين من قبل مجلس المحافظة هيئة ثقافية لم نر لها أي أثر على ارض الواقع؟
- عملنا كنقابة فنانين مع إخواننا الأدباء والصحفيين والإعلاميين والشعراء بجدية، ووضعنا النظام الداخلي لهذا المشروع وتسليمه إلى لجنة الثقافة في المجلس وتكرست عدة اجتماعات بصدد هذا الموضوع ونحن أخذناه بمحمل الجدية لكن الأيام كشفت لنا « كذبة بيضاء « الحكومة المحلية ومجلس المحافظة واللجنة الثقافية ظلت تراوغ وبالتالي لم نلمس أي شيىء، ووعدونا السنة الماضية بتخصيص 11 مليار دينار وبحسب تصريحاتهم أنها مخصصة للثقافة ولكن الموضوع أصبح هواء في شبك، فقط وعود تخدير أعصاب ولم نر أو نسمع من أعضاء اللجنة الثقافية من ينطق بكلمة فن او ثقافة خلال تصريحاتهم لأنهم لن يحترموا الفن والفنانين.
* هناك تدهور واضح في المجال الفني بالمحافظة ما رأيك بذلك ؟
- تخلصنا من العبودية المقيتة والحزب الواحد الذي جلب الويلات للبلاد واستبشرنا خيرا بالتغيير لكن فوجئنا بالحكومات المحلية المتعاقبة ولجانها الثقافية باستخفافها الواضح وعدم اهتمامها بالثقافة والفنون والآداب وعدم رعاية المنظمات الثقافية والفنية والأدبية ومن ضمنها نقابة الفنانين لكونها بعيدة كل البعد عن الثقافة وتتعامل معنا وفق فكرها الضيق والأيدلوجية التي يحملونها وهذه الأفعال لا تبني بلداً ولا تؤسس إلى بناء دولة المؤسسات لكن نحن كفنانين لن نوقف عجلة الإبداع فمن خلال الفعاليات والمؤتمرات التي نقوم بها سوف نقف أمام كل هجمة شرسة تريد النيل والتضليل والتشويه بالفن والفنانين من خلال اماسينا الهادفة التي تؤسس وتؤمن بالفن الذي يدعو للسلام، وهذا هو مشروعنا الفني النبيل خدمة الفن في البلاد.
* الناصرية في سبعينات القرن الماضي حصدت جوائز كثيرة من خلال مشاركاتها الفنية ، لكن في الوقت الحاضر تكاد تكون شبه نادرة ؟ ما تعليقك؟
- الناصرية مدينة مثمرة معطاء ولها تاريخها الواضح، ولها حضور في المؤتمرات الفنية والثقافية في داخل البلد وخارجه، ولكن في سبعينيات القرن الماضي كانت توجد فسحة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والنفسي وهو ما أنعش الثقافة كثيرا وهذه الفترة تعتبر ذهبية، ولا تنسى وجود الأرض الخصبة للوعي ومواكبة التطور ومحاربة الظلام والجهل والخطابات المتزمتة ، خلاف ما نعيشه اليوم بعد ان تصدرت لنا الأفكار الضيقة التي فتت لحمة المجتمع وفرقته.تمتد حضارة العراق عبر آلاف السنين وتاريخه حافل بالإبداع لكن الحروب والأنظمة التي توالت قتلت الروح الوطنية والإبداع في داخله مما اثر سلبا على الثقافة والأدب والفن ، وعلى الدوائر ذات العلاقة ان تعيد قراءتها للمشهد الفني والثقافي في البلاد لكي نسير مع الركب ونتماشى مع التطور الحاصل في العالم من خلال إعلام حقيقي بنقل كل ما هو جميل .
* هناك ظاهرة انتماء بعض الأدباء او الفنانين الى عدة نقابات قد تكون دون وجه حق ما مدى صحة هذه المعلومة ؟
- الانتماء حق مشروع لكل مبدع يحس بداخله شيئاً، لماذا لا ينتمي؟ وما هو الضير؟. لكن في الآونة الأخيرة اتضح أن بعض الأشخاص يهدف للحصول على هوية النقابة من اجل المنحة او قد يكون قد قطع صلته بالنقابة او جهة أخرى فهذه الأمور تأتي نتيجة الفوضى، من جانب آخر تقوم بعض الاتحادات والنقابات بمنح الهوية دون وجه حق من خلال العلاقات، فعلى منظماتنا الثقافية والفنية أن تتعامل وفق الضوابط والتعليمات ومنح العضوية لمن يستحقها وإعادة النظر بالطلبات السابقة ويجب ان تكون ضمن الاختصاصات وخدمة فعلية عشر سنوات حسب فقرات النظام الداخلي، ونلاحظ بعض الأخوة لديه هويات من جهات عدة وهذه حالة غير محببة، يجب ان نرتقي بالفن والإبداع أولا لأن الهوية ليست صك الغفران .
* هل أنت راض عما قدمته نقابتكم خلال دورتين متتاليتين ؟
- تصدينا لمسؤولية النقابة منذ عام 2008 وليومنا هذا وعملنا في الهيئة الإدارية فريق عمل واحد خدمة للفن والفنانين ونحن لا نقيم أنفسنا، القرار الأخير لإخواني الفنانين.
* هل هناك مشاريع قادمة ضمن برنامج النقابة؟
- لدينا خطة سنوية في الأنشطة الفنية ونحن ننفذها، نشاطات متنوعة « استذكار فنان راحل ، تكريم فنان رائد ، عرض مسرحي ، عمل موسيقي ... الخ « كل هذا في الحسبان وينفذ سنويا .
* تعاملكم كنقابة مع الفنانين الرواد وكذلك الشباب، أقصد أصحاب المواهب كيف يكون؟
- الرواد نعتبرهم المنهل الذي يغذي المفاصل الفنية وينهل الجميع منه كما أسلفت في جواب سابق، نحتفي بهم سنويا بتقديم دروع الإبداع لهم والشهادات التقديرية والدعم المادي للمعوزين منهم .أما الشباب فهم لبنة المجتمع ونحن داعمين وراعين لأعمالهم الفنية .
* على كورنيش المدينة كان نصب جميل كتب عليه أسماء الفنانين الراحلين والمبدعين الذين لم يغادروا الحياة بعد، ولكن نلاحظ أنه مهمل، كما تم شطب الأسماء الموجودة عليه من كان وراء ذلك؟
- أكيد الذين يعشقون القبح ويكرهون الجمال لا تعجبهم أسماء المبدعين فعبثوا بهذه الأسماء لأنها تتقاطع مع مفاهيمهم الظلامية، ولكن يبقى الفنان محفورا بذاكرة جميع الناس التي تعشق الحياة والجمال .
* كلمة أخيرة .
- علينا أن نعمل سوية وبصمت لخدمة الناس وان نردم الهوة السحيقة التي عصفت بالبلاد وأرادت النيل من الإبداع وحاولت زرع الجهل والظلام من خلال كفة الحوار الهادف والبناء ونقدم ما هو أفضل.. لك شكري وتقديري، واحترامي لجريدتنا الصادقة والناطقة باسم الفقراء والطبقة العاملة وحاملة راية الثقافة والإبداع.