ادب وفن

الفيلم العراقي (نفوس ميتة) يتوج بجائزة (الكف الأسود) بمهرجان الخضراء / عبد جعفر

لم يكن الروائي الروسي نقولاي غوغول ( 1809- 1852) بعد كتابته روايته الساخرة (النفوس الميتة)عام 
1842 
يعرف أن هنالك من يعمل على إعادتها. وكان الروائي قد سخر من مرارة الواقع ولكنه لم يستطع تحمله وقاده الى الجنون والموت المبكر.
وبطل روايته تشيتشكوف الذي تحول من موظف نظيف الى فاسد، عمل على شراء ألاف (النفوس الميتة) بأسعار زهيدة من أسيادهم الأقطاعين، وهي مجرد أسماء فلاحين أقنان ماتوا. الأقطاعيون قبلوا مسرورين على بيع شيء لا وجود له، بالأضافة أن الأمر خلصهم من ضريبة الدولة التي يتعين عليهم دفعها عن الأقنان حتى يتأكد موتهم رسميا بعد مراجعات مضنية تستمر لسنوات.
وكان المحتال بأمتلاكه (النفوس الميتة) يريد إظهار نفسه صاحب ثروة تؤهله على الحصول على مكانة مرموقة بالمجتمع المخملي ويحظى بأمرأة ثرية منه.
والرواية تسخر بشدة من الفساد الضارب في المجتمع الروسي أبان الحكم القيصري.
واليوم تبرز (ظاهرة فضائية) في عراقنا الجديد تحت راية بطل (النفوس الميتة) على شكل أحزاب، ومنظمات مجتمع مدني، ومقاولين ، وعشائر، رجال دعاية، وعسكريين، وميلشيات، موظفين ومسؤولي دولة في الداخل والخارج ، ولكن الفرق بينهم وبين (السيد تشيتشكوف) أنهم أصبحوا يملكون ثروة حقيقية (شفطت) ما تبقى من خيرات البلد، وكدسوا ثروات في الداخل والخارج، و بنوا سمعة ومكانة وموقعا وجاها لم ينزل الله بها من سلطان.
واذا كان بطلنا (المسكين) قد فضح، وذهبت أحلامه أدراج الرياح، فأن هؤلاء (السادة ) يواصلون عملهم سواء فضحوا أم لا، وغيروا أسم (النفوس الميتة) الى مشاريع وهمية، ونفقات، ومخصصات، وحراسات، ورشى، ومكرمات، وخدمات، وغيرها. وكل يوم يمر نسمع بفضحية (فضائية) في مرافق عديدة حتى في أعانة المظلومين من النازحين اذ تسرق مخصصاتهم والمعونات المقدمة اليهم على قلتها، بوصولات مزورة.
والتشيتشكوفون الجدد، لم يمروا بمرحلة تحول، ولم يعرض عليهم المهربون الرشوة الكبيرة التي أسكتت ضمائرهم الى الأبد، وأنما وجدوا أنفسهم ضمن حقل الغابة الكبير، هكذا، ذئاب جائعة قادمة بكل ما يمتلكه الحيوان الضاري من سرعة في إلتهام هدفه أو ضحيته.
وأصبحت الدولة في عهدهم كما كانت في عهد النظام المقبور تسير على ضوء مقولة لويس الرابع عشر الشهيرة الذي حكم فرنسا ما بين 1643-1715 (أنا الدولة والدولة هي أنا).
وداعمو الفضائيين لايهم سوى مصالحهم سواء أحتل ثلث الوطن من قبل قوى الظلام، أو زدادت الجريمة المنظمة، و تردت الخدمات، وذهبت موارد الدولة سدى وبقى الشعب يتضور من الجوع ويعاني من قلة الأمن وهدر لكرامته.
وعرابو الفضائيين أو (النفوس الميتة) قلة ولكنهم الأكثرية المتحكمة بمفاصل عديدة من حياتنا، وهم يتاجرون بنا، أذ أصبحنا المباعين في سوق نخاستهم.
وال(هؤلاء) بسبب غياب الإجراءات الصارمة، رغم اعتراف المسؤولين بوجودهم، أصبحوا الجراثيم المقاومة للمضادات، أذا حست بالخطر تتكلس مثل (مكروبات) التدرن الرئوي، لتعود لنشاطها أذا وجدت التربة صالحة.
ويخشى العراقي أن يستيقظ يوما من النوم ليجد نفسه مباعا (خردة) في سجلات هونولولو!
وليس أمامنا سوى ترديد قول الجواهري:
وأيقنتَ أنّ الحالَ حالٌ تعسَّرَت
على كلِّ طَبٍّ بالطبائع ماهر
وقد يملأُ الحرَّ المفكرَ حرقةً
تفكُّرُه يوماً بعُقبى المصاير
ولا أملٌ إلاّ على يدِ مُصلحٍ
حَقودٍ على هذا التدهوُرِ ثائر
وإن عيوباً جلْبَبَ الكِذبُ كُنْهَها
فغَطَينَ أضعافَ العيوبِ السوافِر
ولا تحسبنَّ الشعرَ سهلاً مهبُّه
بهذي المساوي بين بادٍ وحاضر
فإن عظيماً أن يخلِّدَ شاعرٌ
مخازيَ جيل بالقوافي السوائر
سنُضحكُ قرّاءَ التواريخ بعدنا
ونبدو لهم فيهن إحدى النوادر