ادب وفن

أنوار المسرح الأمريكي في رحلة المخرج علاء يحيى فائق / كمال يلدو

كان عوده يافعا حينما عرضت عليه فكرة الدراسة في الخارج، و لقد خاضها بكل ألق ونجاح، وهو الحالم والحامل معه ارثاً كبيرا من التجربة الفنية، وما اكتنزه من اساتذته في اكاديمية الفنون أو من التجربة الرائدة لوالده المرحوم يحيى فائق، ولعل الصدفة هي التي حرمته من أن يكون أول عراقي أصغر عمراً يحمل شهادة الدكتوراه في الأخراج المسرحي وهو تحت الثلاثين عاماً. ينظر الى تلك السنين بحنين، وها قد مرّت سريعة لكن طراوتها وحلاوتها مازالت حاضرة دوما.
بعد حصوله على المرتبة الأولى لدفعة قسم المسرح لخريجي اكاديمية الفنون الجميلة عام 1973، والمركز الثاني على عموم الأكاديمية فقد كرّمته دائرة البعثات لدراسة الدكتوراه في الولايات المتحدة، وهكذا بدأت رحلته مع المسرح الأمريكي.
يقول د. علاء عن المسرح الأمريكي : أن المسرح الأمريكي يتميز بسمات خلاقة فريدة ومهمة، خاصة امتلاكه الطاقة الكامنة والمتجددة في التطور. خاصية الديناميكية هذه هي في تجميع كل الطاقات نحو تقديم الجديد في كل موسم، ومواجهة التحديات والتألق و التطور المستمر.
و إذا القينا نظرة سريعة على طبيعة المسرح الأمريكي فسنجد أن :
1ـ مركز المسرح التجاري للمحترفين هو في نيويورك ـ برودواي، و تغلب عليه المسرحيات الإستعراضية، و بعض المسرحيات الجادة، بالإضافة إلى الفرق المحترفة في المدن الرئيسة الأخرى مثلما في (شيكاغو، لوس انجيلوس، واشنطن، سياتل).
2ـ مسارح الفرق المحترفة الصغيرة، و مسارح فرق الهواة التي تجمع عادة ما بين المحترفين والهواة.
3- المسرح الجامعي له دور مهم كأرضية للتجريب ولتدريب مبدعين جدّد يرفدون المسرح الأمريكي بدماء جديدة.
هذه الهيكلية تكشف عن مدى التطور الذي طرأ على المسرح الأمريكي وعلى الفرص المتاحة للممثل والفني في التدرج والحصول على افضل الحظوظ من اجل البروز الفني والمتألق.
ولعل الوقوف امام ديناميكية تهيئة فناني المسرح يعطي أنموذجا مهما لما سيكون عليه لاحقا، فالبداية عادة ما تكون في البيت، ومن ثم المدرسة ، بعدها تأتي مرحلة الصقل في المسرح الجامعي، حيث التجريب وإبراز الطاقات والقدرات وتربية وتطوير الممثل والعناصر الفنية التي ترفد المسرح الأمريكي. وبالبحث عن اسرار نجاح وتفوق المسرح الأمريكي يمكن رصد اهم الظواهر الآتية:
1ـ إن مهمة المسرح هي للمتعة والفرح والثقافة.
2ـ المسرح الأمريكي هو مسرح ممثل بالدرجة الأولى.
3ـ يعتمد الانفتاح على التجارب العالمية والبحث الدؤوب عن كل ما هو جديد في التقنيات أو أساليب الإخراج واستعمال المؤثرات الديناميكية الحديثة.
4- حرية الفنان المسرحي بالتعبير الفني و النقد السياسي و الاجتماعي.
5- يعتمد على التمويل الذاتي و ليس على المنح الحكومية التي تؤهله لتقديم الجديد.
ثم يعرج د.علاء على الحديث في تجربته الشخصية مبتدئاً بدراسته الماجستير في جامعة (ميزوري) حيث كانت اولى خطواته لفهم المسرح الأمريكي، إذ يقول: يجري التركيز كثيرا على حرفية الممثل و حتى فكرة استخدام التكنولوجيا الحديثة فهي لخدمة الممثل وليس للتغطية عليه. التوليفة ما بين أهمية الممثل و الجمهور كعنصر أساسي للعرض المسرحي هي من اهم عناصر نجاح العرض المسرحي. كانت مهمتي كمخرج أن افجّر الطاقة الإبداعية عند الممثلين، وابتعدت كليا عن الأسلوب أو الدور المطلق الذي يُمنح للمخرج، وبطريقة ذكية جعلتني اصل الى ما اريد، مازجا فيها الذكاء مع الصبر. ان خبرتي كمخرج علمتني أن احترم الأنسان وأفهمه، ابتداء بالممثلين ومرورا بكل العاملين في المسرح وصولا الى المشاهد، هذه النظرة هي التي تحبب العمل وتجعل منه مهمة انسانية اكثر مما ان يكون حملا ثقيلا ، يمكن ان يسقط ويهوي على الكل. لقد تمكنت من زج الجمهور وجعله جزءا من العمل المسرحي واحداثه في اكثر من عمل مثل مسرحية "ڤويزك" لبوخنر(1977)، و مسرحية "المتنبئون" للكاتب چيم لينورد (1984) التي فازت بجائزة أفضل عرض مسرحي.
لقد تضمنت تجربتي ما بين المسرح الجامعي والتجريبي والمحترف أعمالاً مسرحية عدة مثل مسرحية هبوط اورفيوس للمؤلف الأمريكي تنسي وليامز (1986)، مسرحية أمديوس لبيتر شيفر، بالإضافة إلى عملي المباشر مع كتاب شباب، حيث عملت مع كتّاب النص من مراحله الاولى الى أنتاج العرض المسرحي والمنتجين والفرق المسرحية وصولا الى العروض المسرحية، كمسرحية "غرباء و محتالين" لآلن پروسر (1987) التي استخدمت فيها الدمى و الكريكاتير في العرض المسرحي.
لم يكتب لحلمي الصغير أن يكبر ويستمر، اذ تعرضت صحتي لانتكاسات، بعد إخراجي مسرحية "مسبحة كهرمان" ايقن الأطباء بعدها أن الإجهاد الناتج من (العمل في المسرح) هو السبب الأساسي وكان ذاك اواخر عام 1992، بعدها توجهت للكتابة و التدريس والأعمال الحرّة و العمل في منظمات المجتمع المدني الأمريكية.
د.علاء يحيى فائق، ولد في (حمام العليل ـ الموصل) عام 1952،وعاش بعدها في بغداد، اذ درس الابتدائية بين مدرسة القدوة، ومدرسة الأبرار، والمتوسطة في البتاويين، اما الثانوية فكانت في النضال بمنطقة السنك.
دخل اكاديمية الفنون عام 1969 وتخرج عام 1973 و كان الأول على دفعته في قسم المسرح . عمل في التلفزيون العراقي و درّس كمعيد في الأكاديمية قبل التحاقه بالبعثة للدراسات العليا الى الولايات المتحدة، اذ اكمل الماجستير في جامعة ميزوري، وبعدها شهادة الدكتوراه في الإخراج المسرحي في جامعة مشيغان- آن آربر. متزوج من زميلته في الأكاديمية الفنانة خيرية العطار الحائزة على الماجستير في التصميم، ولهما ثلاثة اولاد وحفيدان.
ينهي د.علاء يحيى فائق كلامه بالقول: ثلاث غصات تعتصر قلبي، الأولى لأن مسيرتي الأكاديمية في الإخراج المسرحي اصبحت قصيرة، والثانية لما آل اليه حال المسرح العراقي بعد ســني الأبداع و التضحيات، والثالثة لحال الوطن والمواطن، وأمنيتي أن يجتاز العراق وناسه الطيبون هذا النفق المظلم، نحو غد افضل وأن ينعم اهله بالأماني السعيدة والأمن والأفراح.
آذار 2015