ادب وفن

كن مثلما كنت / همام عبد الغني المراني*

مجداً لذكراكَ يا صوتَ الملايينِ
ويا ضميرَ النشامى والميامينِ
يا فارساً مانحنى يوماً لعاصفةٍ
ولا شكا عاجزاً , جورَ السلاطينِ
ولا ترَجَلَ مهزوماً ومنكفئاً
ولا تراجعَ في أقسى الميادينِ
كم مزقوكَ وضنوا إنهمْ نجحوا
وإنهمْ أمَّنوا وكرَ الثعابينِ
لكنَّ شعبَكَ وهو المرتجى أبداً
يخيطُ جرحَكَ نزَّافَ الشريينِ
يمدُهُ بدمٍ غالٍ , يعوضُهُ
خيرَ المضحينَ عن خيرِ القرابينِ
****
يا منبعَ الخيرِ , فكراً أو ممارسةً
يا صادقاً لم يقلْ حرفاً بتبطينِ
سلْ المشانقَ هل خارتْ عزائمُهم
في لحظةِ الموتِ خوفاً كالمساكينِ
وهل تلجلجَ قولٌ في شفاههمو
أم قالها واضحاً من دونِ تلوينِ
" أقوى من الموتِ أعلى من مشانقِهم
فكري " وأصلبُ من صخرِ البراكين
" لو عدتُ يوماً الى الدُنيا وخيرني "
الجلادُ بين الذي يُفني ويحييني
لاخترتُ نفسَ طريقي فهو معتقدي
لأنهُ دربُ إسعادِ الملايينِ
****
قصرَ النهايةِ هل حدثتَ عن نمطٍ
من الرجالِ مضَوا من دونِ تأبينِ
دارتْ عليهمْ ذئابُ الشرِ كاسرةًً
فقاوموا بسلاحٍٍ جدُ مسنونِ
هو الصمودُ , وقد كانوا عمالقةًً
ما هزَهمْ جحفلُ الأوباشِ والدونِ
تجمعوا حولَهم من كلِ مزبلةٍ
كلُ ابنِ زانيةٍ أو كلِ مأفونِ
ودارتِ الحربُ هذا بالسلاحِ وذا
بالفكرِ تدعمُهُ شتى البراهينِ
مثلُ الحسينِ عطاشى , اينما التفتوا
تغورُ في جسمِهمْ نصلٌ لسكين
تساقطوا رافعين الرأسَ واختلطتْ
دماؤهمْ بأديمِ الأرضِ والطينِ
ما ضمهمْ جدثٌٌ فالأرضُ أجمعُها
قد ارتوتْ من دماهم منذُ كانونِ.
****
واليومَ يا واضحَ الأهدافِ أينَ تُرى
يمشي العراقُ , على أي القوانينِ ؟
دارتْ عقاربُ دنيانا معاكسةًً
مجرى الحياةِ وأحكامِ الموازينِ
فالجاهليون قاموا من سباتِهمو
من بعدِ ما لبسوا شتى التلاوينِ
عادوا لوأدِ أٌناثِ النخلِ ثانيةً ً
وحرّموا الوردَ حتى في البساتينِ
وكفَّنوها فماتتْ وهي واعيةٌ
تشكو الى الله من رفسِ البراذينِ
كأنما لم تلدْهم بطنُ صادقةٍ
ولا ارتووا من حليبٍ طاهرِ " الجين ِ"
أُمُ الحياةِ أحاطوها بأغلفةٍ
وكبلوها فصارتْ كالمساجينِ
لا تخرجي , لا تقولي ,أنتِ ناقصةٌُ
عقلاً وديناً , ونصفٌ في الدواوينِ
والطائفيونَ , من شتى مذاهبهم
كلٌ يتاجرُ باسمِ اللهِ والدينِ
بالأمسِ نعرفُ مَن ماتوا ومن فُقدوا
ومَن تشرَدَ من جورِ الفراعينِ
واليومَ تعجزُ أرقامٌ وأجهزةٌ ُ
عن عدِّ من غُيبوا من دونِ تدوينِ
على الهويةِ , لا ذنبٌ ولا سببٌ
إلاّ لأنَّ اسمَهُ بالسينِ ِوالشينِ
أما الذي ما لهُ مالٌ ولا جملٌ
فيها , فقد ضاعَ في دنيا المجانينِ
ضاعَ العراقُ , فواحزني على وطنٍ
تاهَ الملاكُ به بينَ الشياطينِ
حييتُ ذكراكَ والأحزانُ تعروني
وأنتَ تعرفُ ما يشجيكَ يشجيني
من قبلِ خمسينَ عاماً كنتَ لي مثلاً
أعلى , ومازلتَ حتى اليومَ تهديني
علمتني ان ارى لليلِ خاتمةًً
فأينَ ..اين ضياءُ الفجرِ , دلوني
أم أن فجرَ العراقيينَ مختلفٌ
عن سائرِ الخلقِ من أيامِ قارونِ
بدأتُ أكفرُ بالتاريخِ كيف جرتْ
أحداثُهٌ عكسَ تنظيرٍ وتقنينِ
كيفَ امتطى جاهلٌ ظهرَ الأصيلِ , وقد
أمسى الحكيمُ كسيحاً فوقَ برذونِ ؟
أدري , بأنكَ كنتَ المبتلى أبداً
وكان شريانُكَ المقطوعُ يسقيني
وكنتَ تنزفُ عملاقاً وتطعمنا
فكراً , فتخضّرُ آلافُ الرياحينِ
فأنت بيتُ العرقيين أجمعُهم
لا فرقَ في اللونِ والأنسابِ والدينِ
وأنت في عرقِ العمالِ في دمِهم
تجري , وفي منجلِ الفلاحِ والطينِ
وأنت زادٌ لكلِ المبدعين متى
شاءوا , تمدُّ لهم أسمى المضامين
وأنت في الخبزِ ملحٌ ماستُلِذُ لهُ
طعمٌ بدونكَ , يا دفءَ الكوانينِ
وأنت أولُ من يعطي إذا استعرتْ
نارُ الكفاحِ بعقلٍ جدُ موزونِ
يا صادقَ الوعدِ, عذراً إن شكا قلمي
فليس غيرَكَ في الدنيا يشكيني
لأنَّ بي وجعاً , أشواكُهُ انغرزتْ
في كلِ عرقِ , مدى الأيامِ تدميني
كنْ مثلما كنتَ , عنواناً يشعُ سنىً
تخبو بجانبِهِ كلُ العناوينِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أُلقيت في الاحتفال الذي اقامه انصار الحركة الوطنية العراقية في ديترويت، في الذكرى الثالثة والسبعين لميلاد الحزب ولم تنشر سابقاً.