ادب وفن

مدرستي "الجمهورية النموذجية" / مقداد مسعود

حاولتُ أن أستعيد مدرستي «الجمهورية النموذجية» من خلال تسجيل ابني البكر فيها ليكون تواصل أجيال مع المكان/ الأم، لكن محاولتي فشلت، فالمعلمة التي أمضت سنوات عمرها في التعليم، رأيتها تنتزع الأولاد من ذويهم وتغرزهم في رحلات الصف، فتذكرت معلمي الأول الأنيق دائما والمتعطر دائما بأغلى العطور، المحتذي تلك الأحذية الراقية من محلات «زبلوق» في شارع الوطني، المربي المرحوم صادق الرمضان، الذي كنا نشعره أمنا الحنون، وأنا أستعيد سنواتي الذهبية في الجمهورية النموذجية أراني محظوظا جدا، معلم القراءة والحساب صادق الرمضان، معلم الرسم الرسام الكبير المرحوم هادي حسن البنك.
وفي الرابع الابتدائي، تعلمنا حب جبران خليل جبران من المربي الفاضل محمد حمادي أطال الله عمره وزاده عافية، وفي السادس الابتدائي، كان معلم اللغة العربية الكاتب المسرحي عبد الرزاق الشاهين، يكتب المسرحيات القصيرة ونمثلها، مازلت أرى على مسرح مدرستي، الزميل عدنان عبد الصاحب وهو يمثل مسرحية «المسألة والضمير»، وفي الحفلة المسائية ذاتها في ساحة المدرسة، يصدح صوت المعلم الجميل طارق عبد الكريم الذي كان يدرسنا التاريخ بطريقة لا مثيل لها، من خلال أسلوبه الفكه، والمعلم الأنيق الذي صرت أراه حين أغوتني الكتب، كأنه طالع من احدى روايات توماس مان، انه استاذي في اللغة الانكليزية عادل محمود الكروي، أتأمل هذه الصورة الفوتوغرافية المصفرة، فأرى الخطاط العظيم معلمنا محمد رضا سهيل، وهو يخط قطعة جديدة لمدرستنا «مدرسة الجمهورية»، معلمنا الذي لا يخلو من جفاف هو عدنان الدوهان، ما أن يخطأ أحدنا حتى يزجره، وها هو المعاون عبد الودود الشيخ عبدالله يرغبنا بشراء المجلات المدرسية، الصادرة من النشاط المدرسي، وهناك المعلم الشيوعي «نوري» الذي سيغيب بعد 8 شباط 1963، وبعد سنوات اسأل محمد مسعود عنه فيبتسم، زجوه معنا في مركز الرباط اثناء مجزرة شباط، هذا المركز الذي كان يتأرج بالشيوعيين قبل المجزرة منهم المدرس غني القريشي وعارف عبدالرزاق وعواد الدودان، وهاشم الطعان قبل ان ينال شهادة الدكتوراه في اللغة العربية في منتصف السبعينيات وابو شذى أعني هاشم الطعان، من مناضلي الموصل.
لا يمكن انسى المعلم الأنيق والقاسي أستاذ عبد الباقي محمد، الذي أخذ أحد التلاميذ، بعد انتهاء الدوام العصري الى سوق المغايز واشترى له حذاء ًمن محلات «باتا».
نستقبل اليوم معلم الرسم الجديد، بسمرته وهدوء صوته، يقف قرب معلمنا الرسام هادي حسن البنك الذي يصمم ديكورات المسرح، ويرسم الخرائط على جدران المدرسة، ويزينها بلوحات جميلة، ويأخذنا في درس الرسم الى مرسم المدرسة، أما معلم الرسم الجديد، والذي سنحبه أيضا ونستغل هدوءه لصالح ضجيجنا الملوّن فسيكون من الرسامين العالميين اعني الرسام عجيل مزهر، وسيتزوج إمرأة بسيطة من معارف عائلتي وتنجب له «سندباد» ولدهما الوحيد، وسيغادر العراق مع ولده وزوجته قبل نشوب حرب إيران.