ادب وفن

مسرحة المسرح في عرض «هـ . ا . م . ش» / د. محمد أبو خضير

تعددت سبل ووسائط التجريب المسرحي في مهارات القرن العشرين وفقاً للحظة الابستمولوجية وتشميلها الخطابي للواقع الحياتي واليومي. وهو ما تواصل وإياه مجمل ضروب الفنون والآداب ومنتجها الجمالي وتشكيل بنائها الفني وتعابرها والمتلقي.
وواكب الخطاب المسرحي جملة الحراك التقني والمفاهيمي وبعد الفن المسرحي متناً مكانياً اخذ أفقية خطاب العرض تحولات أفقية وشاقولية. وانشطارات بين ـ ذاتية داخل معمار القاعة وخارجها وفي متن فضاء الاداء التمثيلي ذاته. وتعزز الأشغال الفضائي بسبل ودلالات واشتغالاتنا الكتلوية/ الفنونية/ الضوئية والحوزوية تتفعل بأداء الجسر الإنساني والتعويل عليه لترشيد علامات العرض بعده العلامة الكبرى في فضاء العرض والاهم في تلك الاشتغالات والاشغالات؛ تأجيل معطيات وتمركزات النص الدراما وانساقه البنائية والاتصالية عبر التاريخ المسرحي، وتنصيبه نصاً لغوياً/ أدبيا وتفعيل بدائل ركحية/ فعلية ممثلة بالجسد ولعل حركات التجريب ومعمليتها في مساحة القرن العشرين حملت جملة تمركزات ادائية في ورشها فيما يخص جسر الممثل متجاوزة للمقولات الأدبية/ النصية/ اللغوية وما يؤثثه في الفضاء. ليكون المسرح المعاصر هو مسرح الهيمنة التوليتارية لعلامة الممثل.
أن فنون المسرح في تحولاتها التجريبية يمكن تحقيبها في فواصل وقطوعات ابستمولوجية في مفازات القرن العشرين وفق امتيازات كمية وأخرى نوعية تخص عناصر وبنى المسرح ذاته وحصر اداءاته وممارساته النفسية من "نص جسد/ نص/ موسيقية/ نص/ اضاءة"، ما صير خطاب العرض حاملاً لخصائص بين ـ فنية تتبرأ بها خطابات العرض عن آليات المضايفة الأدبية واللفظية. ويترشد خطاب العرض بعناصره تلك لتأكيد سعته البولفونية وتنوعت وسائط ووسائل "خصخصة" المسرح وماهيته الركحية. حيث شرعت مدونات وبيانات الورش والمعامل المسرحية برفع هيمنة التمركز التعبيري والنباتي للنص الأدبي/ المسرحي والذي يعد واحداً من أهم الوافدات النصية غير المسرحية الداخلة في اللعبة الركحية/ الأدائية. وفي لوحة المسرح العراقي ثمة تجارب أخذت بها جملة عروض في تأجيل فعالية النص الأدبية لتشيع لغة المسرح بكل منظومته البصرية. واتسعت مساحة التجارب تلك في متون خطابات عروض الشباب المسرحي تعبيراً عن مرشحات سوسيو ـ ثقافية ـ وتخص مؤشرات وأفكار حملتها الذات العراقية اثر جملة رفات حياتية ووجودية شاملة وفي عرض مسرحية "هـ . ا . م . ش" بفكرة وإخراج لـ د. زينة كفاح الشبيبي وتقديم لمديرية شباب ورياضة بابل أخذت منظومة الإخراج مستويات لمسرحة المسرح ومنحه خصائصه الجمالية الخالصة دون معينات خارجية في فنون الأدب والبنى اللفظية وسبل تواصليتها مع المتلقي إذ تقشفت الرؤية الإخراجية بإشغالها للفضاء على عنصرين احدهما يعني تمثيل في الشاشات الثلاث بتقانة "الداتا ـ شو" والأداء الجسدي للممثل "حسين الدرويش". ويشرع العرض المسرحي في نصوص مستدعاة من النص السينمائي لتكون ذات تنوع في أنماط أنتاج الصورة. متوزعة بين "الفوتغرافيا/ الانميشن/ أفلام/ الطبيعة والحيوان/ أفلام وثائقية/ انتفاضات شعبية" في توزيع بولفوني على الشاشات الثلاث مفتتحة أحداث الصراع التاريخي بين المركز والهامش مؤشرة ومعلنة ذلك بقرص الشمس وطبقات وأعماق البحار والمساحات الأرضية الشاسعة التي تتسلل منها جموع النحل القائمة على تقانة "الانميشن" في ملاحقة لحياتها وعبثها عن وجودها الحياتي وجملة مواجهاتها مع المركز الحياتية. ويكون ذلك بفتح نظائر لحياة الهامش/ الإنسان في حضارة التقنية وترسانات التسليح والصواريخ العابرة للقارات مقابل مستويات الكبت والفقر والعزلة التي تحياها جموع الهوامش مع البشرية والنظير الإنساني في مواجهة قوى البطش هو وريث مكونات الحياة بل الوجود الحياتي بكلتيه. فالنملة تواجه ذات الصراعات في فضائها اليومي وهو ما برر اخذ العرض بخلق تواصل وجودي وماهوي بين النملة وهي في تحول الى إنسان المنقذف في فضاء الوجود المسرحي. حيث تتحول النملة بالتوالي الى كائن هجيني أو ما سمي بـ "متيا ـ فورس" لتكون نصفاً إنسانياً وآخر حيوانياً/ نملة. منتهية في الشاشة الثالثة الى إنسان. عارف كل مقومات الحياة المدنية، يشرع في صراعات ثلاثة هي صراعه مع الإنسان/ النملة ومع ذات القرنين وصراعه مع الأرض الجذر الوجودي والصراع مع الأعلى الممثل للسلطات وفيها ينشر الجسد الإنساني في طبقات تعبيرية متوالية وفقاً لزمكانية الحدث أو الواقعة. وتنتهي المواجهة في ختام خطاب العرض بظهور علامة تحتل الهيمنة العسكراتية بظهور "البسطال" العسكري في الشاشات الثلاث وإسقاط النملة/ الإنسان/ الهامش. وهو ما يوجه إنذاراً الى القاعة أيضاً. وتوزعت رؤية الشبيبي على تشظية وتشتيت فعل الاستقبال وكسر عاداته الأفقية باعتماد مصدر واحد للبث العلاماتي. فالشاشات الثلاث لها سماتها في السيميائيات الصورية ما يصير من المتلقي متوزعاً بين الفضاء المسرحي بحيوزه الثلاث ما يكسر أبعاد التوحد الاستقبالي لخطاب العرض. فالصورة دون مركز اتصالي أحادي وهو شأن يوقف آفاق التوقع لدى المتلقي خاصة في مبثوثات المنظومة الصورية للنص السينمائي والفوتغرافي والانميشن الذي يدشن العرض استخدامه في خطاب العرض هنا. كما قصد خطاب العرض الى تنمية مقومات الجنس الأدبي/ الدرامي. واستدعاء جنس السيناريو في مقوماته الصورية والزمكانية فالعرض في تقاطع مع ذاته على وفق لنص السيناريو لكل شاشة ولكل مشهد أدائي للمثل حسين الدرويش وبذلك فثمة انشطار في أداء فطلاب العرض يمثله البعد الواقعي/ التسجيلي. ومحمولاته في الشاشات الثلاثة والأداء الرمزي لحركات الجسد الإنساني ومرموزاته وتحاينه وطبائع الصراع لكل لوحة صراعية.
ان اعتماد نص "السيناريو" في عرض "هامش" يؤشر تناصاً وعرض المخرج "كانتور" بأخذه بالسيناريو وتنشر رؤيته الصورية مستبعداً فرق مدونات المرويات الشفاهية/ اللغوية ذلك أن الجسد البشري هنا وكما تقدم هو جسد "بولفوني" يدخر لياقة للمبثوثات الكونية الثيماتكيية وعدة حركية واشارية متنوعة في الحركات الرياضية والفنون القتالية وأوضاعها وفن المايم ـ اضافة الى جسدية الجسد ذاته وشعريته بالتجوال السيميائي بين الاشارية والايقونية ومستويات الترميز.