ادب وفن

في ذكرى رحيله : كامل شياع.. استعادة المشروع الثقافي / علي حسن الفواز

صورة المثقف ليست بالضرورة هي صورته الأيديولوجية أو الثورية، أو هي ما تبقى من أيقونتها على الحائط الذي لا يختلف كثيرا عن المتحف.. هناك صورة أخرى لهذا المثقف تقترح وجها أكثر تمردا على الذاكرة، وأكثر خروجا على تقاليد الحائط والمتحف، وأكثر مقاربة للشارع والسؤال والمقهى، إذ صورته الانيقة والواقعية والجادة والخالية طبعا من العصا الغليظة والنياشين الصدئة..
كامل شياع أنموذج اجرائي للمثقف الثاني، المثقف العضوي والملتزم واليومي، والذي كان يدرك أهمية الرهان على المستقبل، وعلى الوعي الشقي بأسئلته، وضرورة مغادرة المتحف تماما، وإستشراف ما يمكّن للتمثل ضرورات ومسؤوليات وظيفته الاخلاقية والاجتماعية والبرامجية، والإنخراط في صناعة المجال الحيوي للثقافة، وشرعنة التأسيس الذي يُعطي القوة الفاعلة للمشروع الثقافي..
أدرك شياع أهمية التلازم ما بين حضور المثقف وما بين برنامجه، وأن تكون نظرته للأشياء التي تحوطه او التحديات التي يواجهها رهينة بوعي مهني وإرادة فاعلة تعزز مسؤولية العمل، وتأمين العوامل الكافلة للتواصل والديمومة.. فكان عمله منذ عام  في المستشارية الثقافية تأكيدا لجديته في مواجهة تاريخ من الخراب والاستبداد، وسعيا الى صناعة البرنامج الثقافي الفاعل وايجاد الاطر الثقافية العملياتية، وباتجاه أن يكون الثقافي فاعلا ومؤثرا في سياق بناء مشروع الدولة المدنية، وخلق الحشد الثقافي الفاعل حول هذا المشروع، وعلى وفق معايير واليات تعطي للعمل الثقافي هويته وسماته، بوصفه عملا مهنيا من جانب، وعملا وطنيا من جانب اخر، وعملا تاريخيا تتفاعل في انجازه قوى مجتمعية وسياسية، تسعى الى تعزيز الوعي الحقوقي بالحرية والديمقراطية، وبالشرعنة المدنية للدولة ومؤسساتها، وبما يضمن للمنتج الثقافي التعريف والترويج والتسويق والإستعمال، مثلما يضمن للفاعل الثقافي البنية الداعمة والساندة، والبيئة التي تسمح بالتوالد الثقافي، وهو ما يعني في جوهره التلازم العميق والمسؤول مابين السياسي والثقافي..
رؤية كامل شياع لهذا المشروع تحولت الى قوة ضغط، والى أفق يتسع مع كل جهد يشارك فيه داخل الفعالية الثقافية، وهو ما يعني بالمقابل إستيلاد الكثير من الخصوم الذين لا يعنيهم سوى ثقافة الفرجة والتابع والدوغما، حدّ المجاهرة بموته، او تخوينه لخروجه على السياق المؤدلج والمؤرخن، وأحسب أن دوره في المؤتمر الوطني للمثقفين العراقيين كان الصورة الاكثر سطوعا لهذه التحديات، ولجديته في إكمال مسيرة الصناعة الثقيلة للثقافة، وفي لملمة المثقفين داخل مشهد ثقافي يحتاج الى الكثير من التنظيم والتفعيل..
بعد رحيله الفاجع كضحية لهذا الحلم الكبير، ولهذا التأسيس العميق والجاد، ما الذي يمكن أن نستعيده منه الى السياق الثقافي؟ وهل أن الاثر الذي تركه كامل شياع سيعيده البعض للمتحف الذي يكرهه كثيرا؟ وهل ثمة سعي مسؤول من قبل الجهات الثقافية الرسمية والأهلية لتبني مشروعه الثقافي في "الصناعة الثقافية" وفي إخراج الثقافة كمؤسسات من المحاصصة الطائفية؟
هذه الأسئلة وغيرها هي ما نحاول أن نثيره اليوم، وما يمكن أن نجعله المجال الذي يجب أن يحتشد فيه الطيف الثقافي، إذ لامناص من الكشف والمواجهة، ولا خيار سوى ان نجدّ الطريق نحو "ثقافة الانقاذ" ثقافة التأهيل والتنمية، ثقافة ترميم الخراب الذي تركه الاستبداد والعنف في حياتنا العراقية.. انها بعض أحلام الرحل الكبير كامل شياع..