ادب وفن

الفن ورياض الاطفال في كردستان / فاضل زيارة

بدعوة من الجمعية الثقافية العراقية في مالمو وبالتنسيق مع الاتحاد الديمقراطي للجمعيات العراقية في السويد، وفي ثنائية مبهرة تضافرت المربية كولاله عمر امين مع الفنان رستم رسول اغاله لخلق صورة راقية للانسانية ومتطلباتها ناكرين كل فعل يسيء للانسانية مهما كان نوعه ودرجته.
في بداية الندوة التي اقيمت يوم الجمعة 2/10/2015، قدمت المربية كولاله محاضرتها عن رياض الأطفال في كردستان وقدم لها الدكتور مؤيد عبد الستار. ابتدأت بالحديث على ان تجربة رياض الاطفال في كردستان مستنسخة كليا من النظام السويدي وتجربته الراقية من حيث المنهج وطرق التدريس والمربين. وقد اشارت الى نبذة تاريخية عن الرياض في العراق اعتبارا من عام 1913 وحتى الوقت الحاضر وما طرأ عليها من تغيير واهتمام، وخصت بالذكر اقليم كردستان حيث اعطت حكومة الاقليم اهمية كبيرة جدا لها بعد عام 2000.
وايمانا بالقول "خذوهم صغارا" اعتبرت ان لا تطور لأي مجتمع بدون التربية الصحيحة والعلمية للطفل، واوردت مثالا على ذلك ان ما طرا من تطور على المجتمعات الاوربيه كان مرده الاهتمام الكبير بالطفل، ونقلت مدى اعجابها برياض الاطفال في السويد حيث زارت احداها وذكرت مدى الاختلاف بينها وما موجود في كردستان المصممة والجادة على اتمام تجربة السويد في الرياض، حيث كان الاختلاف في العدد في كل صف ونظام التغذية الراقي والنوم وعدد المربين الذين يقومون بالاشراف على الاطفال وكذلك في البنايات المخصصة لهم. كما تطرقت الى المنهج الدراسي وطرق التدريس والخدمات الملحقة بذلك حيث الموسيقى والرياضة والرسم والالعاب والتوجيهات العامة التي تطال حتى اولياء الامور، وكذلك استخدام وسائل الايضاح والاسترشاد بالجولات خارج البناية للتعرف على نهج الحياة في كردستان وطرق التعامل بين الاطفال والمجتمع. وأكدت على ان هناك نوعا من التنسيق بين المراكز التربوية السويدية وكردستان في هذا المجال. وفي ختام محاضرتها التي عرضت خلالها الكثير من الصور والسلايدات شكرت المربية كولاله الجمعية والحضور الكريم على حسن استقبالها والاهتمام بها وتوفير كافة احتياجاتها. ثم جاء دور الفنان التشكيلي والمصور الفوتغرافي رستم رسول اغاله الذي نأى بالحديث عن حياته بل نحا نحو دور الفنان في الحرب والتي تركت اثرها الكبير على فنه واسلوبه. اكد رستم على ان الفنان ذو رؤية جمالية خاصة ، كائن منفعل، وفي اي تماس له مع اوضاع سياسية او اجتماعية في بلده او في العالم فانه يبني استبصارا ذاتيا او رؤية فنية خاصة به لهذه الاوضاع، وهذه الرؤية تتلون اولا بالتاثير العميق الذي يطبعه حتما في وجدانه مختلطا بمشاعره واحاسيسه ،وتتحقق ثانية ابداعيا بشكل جمالي يعكس اسلوب الفنان في التصرف بمادته ومعالجتها باجراء فني ينبع من تجربته ، ولا بد من القول ان الحكم للصورة التي ينتجها الفنان، وادرك قائلا ان كل ما مر على العراق خلال حكم الطاغية صدام والحرب الحالية على داعش تم تطويعها فنيا في اعماله بعد ان قام بتحويلها الى خلاصات او اشارات استجابت لفعل الرسم او الصورة ثم انتظمت في بناء شكل جمالي مصمم بحذق. مر بفنه على قرى كردستان المهدمة من قبل الطاغية ونزوح الأكراد وابادة الايزيديين على ايدي الدواعش، هذا المرور يستطيع ان يشحن الجمهور انفعاليا ويعبئه ويعزز شعوره الجمعي بالخطر وتوجيهه عبر اللوحة الفنية والصورة الفوتغرافية ليتبنى موقفا ايجابيا ليكون في النهاية على استعداد للتحول الى جمهور مقاوم ينخرط في اعمال متنوعة لمواجهة العدو. كما اكد على ان رسالة الفن رسالة سامية في ترسيخ وكتابة تاريخ الشعوب واستلهام العبر منها. وقال ان الفنان لايمكن ان يغض البصر عن صور الموت والدمار، واذا كان الموقف منها لا مباليا فلن يوصف الفنان باقل من انه موقف لا انساني، وادرك ان فنانا سلبيا لا تحركه اهوال الحروب ومعاناة ضحاياها ولا تهزه آلام البشر سوف يكون اثما بمعنى ما، الحرب في النهاية فعل مدمر للحضارة. ترفع الفنان رستم عن الكبر ونحا نحو العامة عايشهم واختلط بهم واحبهم وبذل كل شيء في سبيل خدمتهم، وبهذا الاسلوب من الحياة ربط بين الانسان العراقي والحمار، الحمار ذلك المخلوق الصابر الوديع المطيع الانيس الصابر على الاذى والبلوى دون ان يبدي امتعاضا او شكوى، ولا غباء فيه فهو يحفظ الطريق من اول مرة، وفي امريكا كان الحمار شعارا للحزب الديمقراطي الامريكي كناية عن الصبر. سنوات ترحال جابها الشعب العراقي من بداية التاريخ حتى الوقت الحاضر، افليس من حق هذا الفنان ان يربط ويصل ويخلق تناغما بينهما في الصبر وتحمل الجور والطغيان؟. كانت صورة الحمار تملأ كل لوحاته الفنية طائرا مرة حاطا ونائما مرة اخرى. تأثر بالفنان جواد سليم واخذ منه مفردة الرقي مثالا للمرأة العراقية والفقراء وصورة للجمال والمحبة، وافرغ مجالا للقبلة في فنه، كل هذا فوضه في فنه ولكن بنكهة كردية. كان الفنان رستم صريحا في نطق الكلمات ولا يداري ما يسمى بمشاعر الأخرين، وعبر بالفن عن كل حالات المجتمع وما يمارس فيه حتى التي تعد التابوهات التي لا يمكن النطق بها علنا. الفنان يتخذ من بيئته موضوعا لفنه فوالداه واخته وزوجته هم شخوص لوحاته وهو لا يأخذ من خارج بيئته. اننا امام فنان مبدع احب العراق وخص كردستان بذلك، كان كتلة من الحماس والاشعاع، الذي نتمنى ان نأخذ قبسا من هذا النور الثقافي وننشره على بلد اغرق في الظلمة رغما عنه في الوقت الذي كان مصدراشعاع العلم كله. وفي الختام قدمت الجمعية الثقافية العراقية باقة ورد بالوان زاهية للمربية كولاله والفنان رستم ، متمنية لهما طيب الاقامة في السويد - مالمو.