ادب وفن

أسئلة عند غابة الكتب / علي حسن الفواز

يظل الكتاب فضاء للمعرفة وسوقاً لاستهلاكها، وموسماً لإثارة الأسئلة حول جدواها وأهميتها. وأي محاولة للخروج عن هذه التوصيفات ستنطوي على مفارقة، وستجعل الكتاب جزءاً من واجهة العرض العمومي الفاقد للطعم والغاية.
في "معرض بيروت الدولي والعربي" للكتاب بنسخته الـ 59 يمكن لتجارة الكتاب أن تكون أكثر حضوراً، وأكثر مدعاة للاطمئنان الثقافي بعيداً عن "أسواق السلاح" التي تتضخم في حياتنا العربية اليوم. وبقطع النظر عن حمولات هذا المعرض ومعطياته على مستوى العرض والتسويق والإقبال. فإن قيمته الجوهرية تكمن في الاحتفاء بالكتاب والثقة. وبما يمكن أن يثيره أو يستدعيه، وما يستفزه من إثارة تلامس القلق والرعب الخبيء تحت قمصاننا وأحلامنا، والتي ستفجّر أمامنا الكثير من فخاخ السياسة والثقافة والاجتماع.
قد تذهب المؤشرات العامة لشراء الكتاب باتجاه استهلاك الكتب الدينية والسياسية والتاريخية، لكن ذلك لا يعني موت النوع الأدبي، بل أجده باعثاً للانتباه حول "نوع الكتاب والكتابة" وحول مزاج القارئ الذي تحاصره هموم "ميتا - أدبية" تلامس فواجعه ومراثيه وجمرات وجعه الوطني والسياسي والمعيشي، وحتى بعض هواجسه القومية والطائفية، وهو ما يدعو "صنّاع" الكتاب وناشريه إلى إعادة توصيف خارطة غابة الكتب، وآليات التعريف بها على مستوى الواقع والإعلام، وعلى مستوى ما يستدعيه السوق الثقافي عن طرائق يمكن أن تُنمّي حِسّ استهلاك الكتاب وتوسيع مدياته.
من أكثر الملاحظات التي وددتُ الإشارة إليها
1ـ الفقر الإعلامي الواضح في تغطية فعاليات المعرض والتعريف بالجديد من الكتب لا سيما النقدية والمعرفية.
2ـ هشاشة زوايا توقيع الكتب الصادرة حديثاً والتي بدت محدودة جداً وبروح "دكاكينية" واضحة.
3ـ ضعف الندوات الثقافية "المرافقة" لفعاليات المعرض وهو ما يستدعي مراجعة حقيقية من القيّمين، لا سيما في موضوعات تخصّ محنة الكتاب ورواجه. مثلما هو الحديث عن علاقة الصناعة الثقافية بهموم الشارع العربي الملتبسة والمثيرة للجدل.
4ـ ضرورة الانتباه إلى أهمية إيجاد شاشات عرض عملاقة للتعريف بدور النشر والمشاركة، وأبرز الكتب الحديثة في المعرض لما لذلك من تأثير في الجذب والتعريف وإثارة الانتباه.
معرض بيروت للكتاب يظلّ يحمل روح بيروت النابضة بالحياة والجمال، وهذا ما يجعل له بصمة خاصة على مستوى ذاكرتنا الثقافية وعلى مستوى علاقته بالمدينة التي نعشق، وكذلك على مستوى هامش الحرية الذي يحمله، والذي تفتقر إليه أغلب المعارض العربية في هذه المدينة أو تلك وهو ما يجعله يملك خصوصية، وما يجب أن يدفع الجميع إلى الاهتمام به، لكي يجعلنا أكثر احتفاء به، واحتفالاً بأيامه.