ادب وفن

الروائي حسن داود: لا أكتب أحداثاً عامة، وما الرواية إلا فن الذاكرة / محمد عبد الرحيم

"بعد أن لبست العباءة والعمامة بقيت أشعر بأنني أستعير ثياب سواي، حتى أنني كنت أستغرب نفسي حين ينظر إليّ أحد ما على الطريق، تلك النظرة التي تسبق وصوله لي وقوله السلام عليكم". هذه عبارات من رواية الكاتب اللبناني حسن داود، "لا طريق إلى الجنة"، الفائزة بجائزة نجيب محفوظ للرواية في دورتها العشرين، التي منحتها دار نشر الجامعة الأمريكية في القاهرة. وبهذه المناسبة أقامت دار "ميريت" للنشر ندوة احتفائية بالروائي، حضرها العديد من المهتمين بالشأن الثقافي في مصر، من كُتّاب ونقاد وصحافيين.
الرواية وكتابة الحياة
بدأ الكاتب والروائي حسن داود كلمته بتوضيح مفهومه للرواية، بأنها ليست التسلسل التشويقي لأحداث متصاعدة، لم تعد الرواية قاصرة على التسلية، كذلك أصبحت أكثر رحابة ومزجا لأشكال كتابية أخرى. فالشكل الروائي الآن قادر على استيعاب التجربة الإنسانية بأدق تفاصيلها، قادر على كتابة الحياة.
"لا طريق إلى الجنة"
وأوضح داود أن النص الروائي "لا طريق إلى الجنة" كان مخطوطاً منذ ما يزيد عن العشر سنوات، وكان يمتنع عن نشره، لشعوره بعدم اكتماله، حتى فُقِد المخطوط نفسه، فاضطر إلى كتابة الرواية من جديد، التي صدرت في شكلها الحالي. من ناحية أخرى أشار المؤلف إلى الرواية وشخصيتها الرئيسة، التي تتمثل في رجل الدين في الجنوب اللبناني، بداية من الثلاثينيات وصولاً إلى بداية السبعينيات من القرن الفائت، وكيف انهارت فئة رجال الدين، حتى أوشك أن يفقد الدين وجوده بين الناس، بفضل التيارات الفكرية والقومية، وحركات المقاومة، والأمر لا يقتصر على لبنان فقط، بل امتد إلى العديد من الدول العربية.
الانقلاب الزمني
ومن أهم ما لفت الكاتب ــ حسب قوله ــ في هذا النص هو انقلاب الزمن، من وجهة نظره الروائية، بعيداً عن السياسة وأفكار المُحللين والاجتماعيين، فهذا الخفوت الديني، عاد مرّة أخرى وبقوة إلى الحياة منذ منتصف السبعينيات، وصولاً إلى ما نعيشه اليوم. لقد انقلب الزمن على نفسه، هناك خدعة ما حدثت، لم يكن في الحُسبان التنبؤ بها. فالمدارس المدنية والتطلع إلى هذا الشكل من الحياة انهار تحت وطأة المدارس الدينية، التي أصبحت تضرب المجتمع، وتُنتج آثارها، فالزمن هنا قد خذل نفسه.
الشخصية الروائية
تدور الرواية حول شخصية رجل الدين، الذي تخرج في النجف الأشرف، وينتمي إلى سلالة من رجال الدين، كل ذلك رغماً عنه، فهي حياة مفروضة منذ ميلاده، وعند لحظة مفارقة ــ اكتشافه أو تأكده بأنه مريض ــ يبدأ في التخلص من كل هذا التاريخ وهذه الحياة، ويبدأ كما أراد. فهو على سبيل المثال لا يكتفي بالزواج مِمَن أحب، بل يريد أن يتبادلا حالة الحب هذه، الحالة نفسها بكل تفاصيلها، بغض النظر عن كونها علاقة زواج، كما هو مُتعارف عليه.
الحياة غير قابلة للحسم دوما
ويستطرد داود، بأن ما يهمه هو حالة الشخصيات، وما يحدث داخلها أكثر ما يتم في الحياة العامة. فهناك عالم في مقابل آخر دوماً، لكن ما تفكر به الشخصية وتؤوله وتحيا خلاله، هو السمة الأساس للشخصية الروائية. كيف تشعر الشخصية بما حولها، هذا هو الأهم. وحالة التوتر الدائم هذه تلازم الشخصية الروائية، لأنها في حوار دائم ولو بالصمت مع نفسها ومَن حولها، وبالتالي توحي أكثر مما تكشف.
اللغة الروائية
وعن سؤال بعض الحضور عن طبيعة اللغة في أعمال حسن داود، بأنها تحمل حِساً شعرياً، لتأكيد الإيحاء الدائم بحالة مُسيطرة على النص. أشار داود أن اللغة الروائية لا تستقيم مع تقسيمها إلى فصحى وعامية، بل فقط هي لغة الشخصية الروائية، وهي لغة زمنية في المقام الأول. لكل شخصية رؤيتها من خلال زمنها الذي تعيشه، وتعبّر عنه من خلال اللغة. وعلى الكاتب أن يكتشف الزمن النفسي الذي تحياه الشخصية، ويُجسده عبر اللغة.
الرواية والدعاية
يقول داود.. في "لا طريق إلى الجنة" لم أكن أُلح على التيارات الأصولية وما شابه، ولا أنظر إلى الوضع العام الآن، فأنا لا أكتب استجابة للدعاية العامة. فالبطل يُعاني من أشياء شخصية، وتصادف أن تماس ذلك مع العام، فالشخصية ليست نموذجا أو غطاء لما نعيشه اليوم. فالكتابة الروائية تحتاج إلى ذكريات، والعنصر الأساس في كتابة الرواية هو الذاكرة، هو أن يصبح العام شخصياً.