ادب وفن

حدود الفنان في الأخذ من الغير / مازن المعموري


أعلم إلى أي مدى يسمح للفنان بالأخذ من تجارب الفنانين الآخرين، وليس عندي مقياس محدد للقبول أو الرفض، وأنا هنا لا أتحدث عن التأثر أو التناص وغيرها من الاصطلاحات المتداولة لتبرير الجنوح المدمر لتقويض الفن العراقي، بل الأخذ من الغير، رغم أن هذا الجنوح يبدو فرديا إلا انه شكل ظاهرة تستحق الدراسة والمعاينة بما يفضي إلى حكم نقدي واضح المعالم، لذلك أرجو أن لا يعتقد البعض أنني انطلق من ضغينة مبيتة أو دافع خارج نطاق البحث العلمي، خاصة وان أغلب الفنانين نعرفهم كأصدقاء ، لكن الأمر يحتاج إلى معاينة نقدية قبل أن يصبح عادة يمارسها الجميع.
ليس هناك من أصل واحد وليس هناك من بداية حقيقية إلا من خلال التجارب السابقة ويكفي أن مقولة بابلو بيكاسو «الفنانون الجيدون يقلدون، أما العظماء فيسرقون» تختصر الكثير مما يمكن قوله في هذا المجال، لكن الحقيقة هي أن سرقة الآخرين وتحويل التجارب الفنية إلى مادة لاستهلاك تسويقي أصبح اليوم مبررا لسرقة جهود الابتكار في مجال الفن والأدب، وإن مقولة بيكاسو أو غيره ستكون كما هو حال المشاهير سنة سيئة يتداولها الناس لتمرير بضاعتهم الكاسدة، وفي الفن بالذات تصبح القضية أسهل بكثير لقلة تداول الأعمال الفنية وفقدان المتاحف وضحالة التربية الجمالية وخاصة في الشرق الأوسط في ظل أزمات كونية متلاحقة لا تترك مجالا للمراجعة النقدية، فيما يبقى الوسط الفني مشغولا بالمجاملات والتكتل ضد أي ناقد يحاول أن يقول كلمة حق في هذه الظروف تحديدا.
من هذا المنطلق أريد أن أضع بعض المقاربات والتشابهات بين أكثر من فنان عراقي يأخذ من بعضهم البعض وهم كل من «سيروان باران، فؤاد حمدي، عمر الشهابي ، محمود شبر، صدام الجميلي، كريم رسن»، وحين نرجع إلى بعض الاستقصاءات نجد أن الفنانة «روسدان خيزنشيفالي Rusudan Gobejishvili) وعلى موقعها الالكتروني قدمت أعمالها مع سنة الإنتاج منذ 2002 في جورجيا، ذات الأسلوب المقارب لبعض الفنانين العراقيين، في حين إذا ما ابتعدنا قليلا بالسنوات سنجد أن الفنان «ريك بارتو» المولود عام 1946، والفنان «جين بيري» لهم الأثر الكبير في نقل المفردات والأسلوب والطريقة وحتى الأداء والتكنيك، لكن الأهم هو تأثير الفن السوري أسلوبيا، المتمثل في الفنان السوري وهو كردي الأصل «برهام حاجو» والفنان السوري «عادل داوود»، أما الفنانة الفلسطينية «ريمة المزين» فقد أعلنت قبل أكثر من سنتين شكواها على الفيسبوك من سرقة أسلوبها في عرض «ملابس على حبل» من قبل الفنان سيروان باران، ولابد من الإشارة إلى فنان مهم هو «أسعد فرزات» الذي عمل منذ البداية على افتتاح أسلوب تبسيطي يبدو سهلا وممتعا إلا انه شكل لدى الكثير من الفنانين فخا خطرا سرعان ما تتكشف أوليات أعمالهم لحظة المقارنة، وهو ما دفع أغلب الفنانين إلى البحث عن مسار سهل التنفيذ ومبهر مستخدمين ألوانا صافية أو حيادية لملأ المساحات والعمل على تفعيل حركة الشكل البشري والاستفادة من الخطوط اللينة والمريحة لعين المتلقي البسيط والخبير على حد سواء.
هناك فنان عراقي مغترب عانى من أخذ مفرداته وهو الفنان «سنان حسين» الذي تحولت أشكاله وهيئاته البشرية والحيوانية إلى أيقونات تجدها في اغلب الأعمال التعبيرية المعاصرة، فاستخدام شكل الهيئة العامة للشخوص اسهم في تفريغ التجربة من محتواها الغني بالعاطفة، وهو ما عانى منه الفنان في أكثر من حوار معه، حيث نجد إنشاء العمل وتوزيع المساحات وحتى التكوين العام يتكرر في أعمال فنانين آخرين، مع تداخل أسلوبي أخر للفنان الفرنسي فرانسيس بيكون الذي أثر تأثيرا فاعلا في إنتاج المنحى التعبيري لدى أغلب من مارسوا الفن التعبيري في العراق وسوريا باعتبارهما الأقرب والأكثر تماسا في المنطقة، كما لا يخفى على أي متابع للفن التشكيلي سرقة أشكال وأسلوب الفنانة الفرنسية (sylc) التي قدمت تجربتها التعبيرية بشكل ملفت للنظر وكانت مصدرا ثراء للأخذ منها .
إن العمل على الأخذ من أكثر من فنان على مستوى المفردات المستخدمة وطريقة توزيع المساحات اللونية وحتى الأسلوب وتركيب العاطفة الذاتية ينتج لنا توليفة من المفردات بأسلوب واحد تقريبا إذا لم يكن متناظرا في الهيئة والأداء، وهذا يرجع إلى فقر المخيلة لدى من يزج نفسه في أتون التبعية الأسلوبية التي قوضت تقدم حركة التشكيل العراقي بشكل خاص للأسف الشديد، كأنني أشعر بشجن ما يتساقط من أوراق الخريف الجمالي للفن العراقي المعاصر.