ادب وفن

أبراج نيويورك بين جنى الحسن وواسيني الأعرج / يوسف هداي ميس

مضى عقد ونصف العقد على أحداث الحادي عشر من أيلول ولما تزل الرواية العربية تتناول ذلك الحدث الجلل وانعكاساته على العالم العربي بشكل خجول، إلا إذا استثنينا النزر اليسير من الروايات مثل: "المعبر" لزياد عبدالفتاح، و"نخلة على الحافة" لجميل عطية ابراهيم. و"محال" و"وجوانتانامو" ليوسف زيدان،و"ريح الجنة" لتركي الحمد. بيد أن هذا التأخير ذو مزية لمن كتب بعد طول سكات، فالأعمال العظيمة هي التي تتأخر في ولادتها. وعليه فإن رواية يكتبها روائي بمستوى واسيني الأعرج تتناول حدثا بأهمية أبراج نيويورك، لن تمر بلا شك مرور الكرام. وأعني بذلك رواية "رماد الشرق".
لم يكد يمر عامان على إصدار هذه الرواية حتى أصدرت الروائية اللبنانية جنى فواز الحسن رواية "طابق 99". وهي تتوازى مع قرينتها"رماد الشرق" من حيث الموضوع بمكانه وزمانه بل حتى شخصياته. ولعله من أهم مظاهر التماثل بين الروايتين:
العنونة
ابتدأ واسيني روايته من التاريخ البعيد فاختار لها عنوانا موحيا ذا حس شعري بإيحاء واضح يقول بأن ثمة ناراً اشعلها المستعمر الغربي اندلعت في الشرق ثم انطفأت، ولم يبق منها سوى الرماد.. ولسوف يستعر بعد عشرات السنين ويغذي النفوس المهزومة ليتحول إلى شهب نارية تحرق نيويورك. نيويورك التي تعتبر هرم الامبريالية الغربية وقمة فخرها، هذه القمة اختارتها جنى فواز الحسن عنوانا لروايتها"طابق 99" فكأن الرقم 99 أصبح معادلا موضوعيا لسنوات القرن العشرين التي ابتنيت بشكل عمودي حتى وصلت قمتها مع وصولنا إلى نهاية القرن وبداية دخولنا في الالفية الثالثة.
الزمان والمكان
اختار واسيني لروايته يوم الحادي عشر من سبتمبر منطلقا للمستوى الأول للزمن، ثم يعود بنا إلى أحشاء التاريخ أبان الحرب العالمية الاولى، حيث الاستعمار الفرنسي والبريطاني وتطبيقهما إتفاقية "سايكس بيكو". وتأسيس دولة اسرائيل، وما واكبه من تهجير للشعب الفلسطيني الذي يعتبر أبعد نقطة زمانية في رواية "طابق 99". حيث ترجع بنا الكاتبة إلى مجزرة "صبرا وشاتيلا". والحرب الأهلية في لبنان. بيد أن جنى الحسن لا تختلف عن واسيني في زمان انطلاق الرواية إذ أن أول ما يطالعنا بعد عتبة العنوان_طابق99_ هو فصل: "نيويورك عام 2000" فهي تجعل من أحداث سبتمبر حدثا في مخيلة القارئ وغير مصرح به علنا في الرواية على العكس من واسيني الذي اختار صورة فوتوغرافية لأبراج مانهاتن لتكون غلافا لروايته. ناهيك عن الوصف المباشر لما جرى في ذلك اليوم وما تبعه من أحداث.
الشخصيات
الشخصية المهزومة حاضرة في الروايتين كليهما ، جاءت على شكل صمت التزم به بطل رواية رماد الشرق "بابا شريف" منذ هزيمة 67، تعبيرا عن الاحتجاج أو هو صمت أشبه بالصرخة في وجوه الانظمة العربية. وهي هزيمة تلبست "مجد" الشخصية الفلسطينية البطلة في رواية "طابق 99" اعلن عنها في ندبة في وجهه وعوق في رجله، فيأبى إجراء أية عملية جراحية لأي من الجرحين. بطريقة احتجاج سلبية تشابه احتجاج "بابا شريف" في رواية واسيني.
وفيما كانت العشيقة في رواية "رماد الشرق" سليلة الحاشية المقربة للملك الايراني المخلوع محمد رضا بهلوي، فإن عشيقة الشاب الفلسطيني في رواية "طابق 99" سليلة أحد أمراء الحرب المسيحيين ابان الحرب الاهلية في لبنان.
في الروايتين كليهما ثمة شخصيتان مختلفتان عن بعضهما، لا يجمعها سوى الحب.. الذي يعد بديلا عن العنف والموت الآتي من الشرق ليضرب أعلى قمة في سماء أمريكا.