ادب وفن

يا لخسارتنا.. برحيل زهير الدجيلي! / مفيد الجزائري

كبيرة هي خسارتنا برحيل زهير الدجيلي، المبدع الشاعر والكاتب والاعلامي، المناضل الثابت الوفي والانسان الحي المشرق.
لعل الشعر عنوانه الاشهر. يشهد ديوانه الحافل الذي بدأ كتابته في فتوّته، وهو ينهل من اول نبع يفيض حول مهده على لسان امه التي تقول الشعر، ويتدفق من العيون الغزيرة في البيئة الشطرية والجنوبية الخصيبة التي نشأ فيها. وبقي ستة عقود ونيف من السنين ينسجه ويثري صفحاته، ولم يكف حتى وهو يصارع المرض اللئيم في السنين الاخيرة.
شاعر ولا أرق، وشعر ولا أعذب: حنّيت واترجّه .. اترجّه دليلي وعيني .. بلجن عذاب فراككم بهداي من ياذيني.
وشاعر غناء بالسليقة: قلب الحبيْبة مثل شاطي ونهر ، مرّي يَمّه يا طيور الطايرة، واذا ما مريتي يمه تضيع روحي .. والقلب جا وين اضمّه؟ .. وياهوى ايلمني والمه؟
ليس صدفة انه سُمي "ابو الاغنية العراقية". فكم شاعر وهب غناءنا مئة وثمانين اغنية؟ ومن الاحلى والاعذب.. وليس صدفة ان وضع موسيقاها خير الملحنين، وأدّاها خير المغنين.
الى جانب الابداع الشعري ترك لنا الدجيلي الكثير الكثير من النتاجات الصحفية والاذاعية والتلفزيونية، التي تخطى العديد منها زمنه وبقي محتفظا بحيويته. وهو بمجموعه يستحق المتابعة والدراسة، وفيه ما يستحق اعادة النشر ايضا.
***
كبيرة هي خسارتنا جميعا برحيل زهير الدجيلي الانسان.
الصديق الحبيب، النقي، العاشق، الكريم، الباسم المتفائل رغم المحن بالحياة والغد الآتي، الرقيق الوديع والشجاع، الاصيل في انسانيته وفي عراقيته، المحب للوطن والناس، المتشبث به وبهم ابدا.
لم تتح لي فرصة سؤال المفجوعة برحيله، ام علي، رفيقة حياته ودربه، ومسراته وعذاباته، كيف كان يبدو وهو يرحل عن عالمنا. لكن خيل لي اني اراه في تلك اللحظات الفاصلة، فأبصر في وجهه ظلال هموم تتكاثف، ثم تنحسر امام ظل ابتسامة، لتعود تنازع وتطبق على الجبين..
أبدا عمّر قلب ابي علي الاملُ بعراق آتٍ .. طليق، محلق عاليا، يعيش البحبوحة، ويغمض العينين حين يغمض مطمئنا. لكن هذا القلب لم يعدم يوما الخوف على هذا العراق الحبيب أو "الحبيبة" من الضواري التي تطوقه، وتلك التي تحفر مختبئة في ثناياه.
ابدا عمّر قلب ابي علي الايمان بالخير والجمال، وبالنور يغمر الكون والكائنات.
***
كبيرة هي خسارتنا نحن الشيوعيين برحيل زهير الدجيلي المناضل الباسل الوفي المتفاني.
رضع النضال مع الشعر من ثدي امه
ينقل عنه احد رفاقه في السجن سنة 1963 وما بعدها، في سجن بعقوبة ثم في سجن الرمادي، انه اوقف سنة 1954 في مركز شرطة الناصرية، وكان عمره سبع عشرة سنة، بتهمة الانتماء الى الحزب الشيوعي العراقي. وكان يؤرقه وهو في الموقف ان تنهال عليه امه تقريعا حين تأتي الى زيارته. لكن المفاجأة التي هزته انها حين وقع بصرها عليه في حجرة الموقف، دكت بقدميها الارض واطلقت صوتها مدويا: نذرتك للشعب يبني!
هكذا عمدته امه مناضلا، وهكذا عرفته وشاركته حبيبته ام علي، التي تعرضت للاعتقال وهي حامل بابنتهما البكر، بسبب اشتراكها في تظاهرة تطالب باطلاق السجناء السياسيين. كان ذلك في سنة 1962، وفي السجن وضعت وليدتها.
ستون سنة ويزيد، هو طول مسيرة زهير الدجيلي النضالية في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، المسيرة المفعمة بالتفاني، بالكفاح الجسور سرا وعلنا، بمعاناة حياة السجون، بالملاحقة والحرمان، بالغربة وقسوة الحياة بعيدا عن الاهل والوطن، بالحنين والشوق والامل الذي لا يذوي، بالوفاء للشعب وللوعد بسعادته، وللوطن والوعد بحريته، بالبقاء لصيقا بالشيوعيين وحزبهم.
في مثل هذه الايام قبل ثلاث سنوات، وفي غمرة تصديه لهجوم المرض الزاحف، كتب ابو علي مواويل في الذكرى الـ 79 لميلاد حزبه، كان آخرها بعنوان "الوصية". في خاتمته كتب:
كبل ما اموت ، وكبل ما تنكطع اوتار كلبي
ويسكت العود.. ويغمضولي الجفن
كبل ما اموت ، وكبل ما ينطفي نور المحبة بعيني
وبالغربة اندفن
وكبل ما تبجي القصايد فوك كبري
والقوافي تمطر دموع الحزن
كل للشيوعي انته خير الناس
ما مدّيت ايدك ع الحرام وبكت مال الوطن
كل للشيوعي انته خير الناس
والشاهد عليك الشعب والتاريخ وايام المحن
كل للشيوعي انته اوفى الناس
ما خنت الامانة وجنت ساس الفتن
الطيبات انكتبن بتاريخك وصفحاتهن ما ينمحن
كل للشيوعيين ..
الشواهد والمجالس عن نزاهتكم حجن
امبارك عليكم عيدكم
مبارك عليكم كل الاعياد اليجن ..