ادب وفن

عن " الرمز في الخطاب الادبي " لـ حسن كريم عاتي صيغة الرمز ودلالاته / جاسم عاصي

الكتاب النقدي للقاص والروائي حسن كريم عاتي/ الرمز في الخطاب الأدبي، خطاب نقدي تحليلي متمكن من رصد العلامات في نصوص محددة، ارتأى الكاتب أن يركز على نصين قصصيين هما "أشجار البرغش" للقاص وارد بدر السالم وقصة "أبناء الشمس" للقاص حسن موسى"، وبهذا نرى أن الكتاب يتخذ مجاله النقدي، بكل اقتدار، سواء في القسم الذي يعكس المنهج، أو في قسم التطبيق. إن المهاد النظري أو تأشير مرتكزات القراءة عبر المنهج النقدي، قد تواصلت دورته بين خطابين، تأسيسي وقرائي. ولعل القراءتين اجترحتا مساراً للمنهج المتوافق لطبيعة أنتاج النصيّن، من اعتبار الرؤى الذاتية التي تقود إلى النص من جهة، والدربة على تكييف المنهج وتطويعه عبر اجتهادات ذاتية من جهة أخرى. وفي الحقلين كليهما ،نرى أن ثمة قراءة استثنائية للنص. فالرمز بطبيعة الحال مُعين للنهوض بوحدات النص وتفعيل مفاصله، لأنه أساساً ينبثق تلقائياً من ضرورات المعنى العام، بحيث تتخلق وحدات صغيرة تسير مع مستوى مفاصل النص. فهو ــ أي الرمزــ ينبعث من متن معرفي، مترسبة وحداته المعرفية في العقل الباطن، باحثة عن موطئ قدم لكي تكون فاعلة داخل النص؛ ناهضة بقدراته الذاتية صعوداً إلى مستوى التعبير من خلال الإشارات، التي هي برغم تلقائيتها، إلا أنها لا تنفلت من الخضوع للحذر من الرقابة والمحاسبة من قبل الآخر الذي هو ذو صيغة اجتماعية أو سياسية. من هذا نجد في الرمز مرونة تلقائية، تتحكم فيها حالة انبعاثه الأول. فكل رمز ينبث من قصة أو مروية أو حكاية أو ظاهرة، غير أن معظم الرموز كان مصدرها الرؤى الأسطورية، أي ضمن العلاقات البدائية التي تحكمت بوجود الإنسان الأول. ولغرض إحداث التوازن في الوجود، أنتج عقله الفردي والجمعي ما يُعينه على البقاء. فالرموزخاضعة للعوّد الأبدي كما يذكر "مرسيا إلياد" إنها طفولة التأمل وجذور الوجود الإنساني، تستنهض معالمها وتأثيراتها ضمن ظروف موضوعية. ومن خلالها اشتقت الأفكار والحِكم. وتأسس المسار البشري كما هو في ملحمة "جلجامش والإلياذة والأوديسا وقصة الخلية البالية"من هذا نجد في الرمز في الخطاب الأدبي مساحة من الحرية، وفضاء من التداول. فالرمز كما أكد "عاتي" هو قناع المؤلف. وفيه ارتكز على تلخيص آراء ورؤى النقاد، فهو عنصر ــ كما أكد ــ يعتمد الاشارات الدالة، ويهتم بعلاقات التضاد بين الظواهر وأطراف تحريكها. فله مرجعية معرفية، سواء كانت هذه المعرفة تأريخيه أو تاريخية أسطورية. فالرمز من هذا المنطلق يعتمد على متن راكز، يقود بطبيعة الحال إلى فعل التأويل. أي البحث عن الصلة بين النص ورموزه وبين الواقع المعاش. فهو ــ أي النص ــ تعبير مجازي عن الواقع. بمعنى يتوجب أن يكون رمزاً قارّاً، ومتمكناً من تمثل المعنى. إذاً لا يتم فعله وتأثيره إلا من طبيعة قوته المستمَدة من وجوده المعرفي أولاً، ومن تداوله المعرفي ثانياً ومن اجرائه التطبيقي ثالثاً. أي أن منتج النص من يتحكم في تمرير رمزه بقوة سواء في الصياغة أو تمثل حالة الانزياح لمرتكزاته وخصائصه الجزئية، كي يكون حاضراً بقوة الدلالة الخالقة لقراءة تأويلية.
لقد أكد الكاتب على ناحية مهمة بصدد استعمال الرمز في النص. فهي ليست خاضعة لأسباب خارجية، بقدر ما هي حاجة خاضعة للمستوى المعرفي العام والذاتي الخاص وتأثير ملاءمته لهذا النص دون غيره. وقد عبّر عنها في حالة التماسك الداخلي للنص. والقصد هنا أن لا يكون الرمز عالة على النص، أو لوناً فاقعاً منفصلاً عن وحداته اللوّنية المعبّرة عن المعنى العام. فالتماسك ينبثق من تأسيس النص على مستوى فني عال، حيث يكون الرمز هنا مندمج مع كل وحدة داخل النص. فهو السدة واللحمة في داخله. وقد عبّر عنه بعبارة "الصدق الفني" هذه العبارة النقدية تؤشر إلى وحدات متضافرة في النص، تنهض به فنياً وابداعياً. والرمز يتضافر وجوده في النص ضمن وحدات متعددة. ولعل من بين الكثير مما أكده الكاتب، وهو يلاحق متداوله النقدي في مهاد البحث النظري الموّجه لقراءة النصين ؛ أن أكد على مصادر الرمز. وهي قراءة لا تبتعد عن قراءات كثيرة، اتفقت على أن الرمز حالة أو نتيجة لفعالية أنثروبولوجية وسوسيولوجية خالصة، تعطي ثمارها من خلال تكرار حالة أو ظاهرة، بحيث تستنبت مفهوماً لمسيرة الواقع. وهذا يشمل الطقس والشعيرة الدينية التي بتكرارها أسست لمستوى فكري عام، نحت فيه العقل الجمعي وهيأ له وجوداً فاعلاً في الواقع. وقد عبّر الكاتب عن ذلك من خلال تأكيده على مستوى التضاد في الوجود والوجود الفكري. فمهما اختلفت البيئات، تبقى الفعالية العقلية، هي المنتجة للرموز والطقوس والأعراف والديانات. لأنها تعتمد على رؤى متبصرة بهذا التكرار. ومثال على هذا ظواهر الطبيعة كالعواصف، وظهور الشمس والقمر والرعد والبراكين الخ.
أما بصدد الإشارة التي هي وجه آخر للرمز، فهي خاضعة لمستويات متعددة من الاستعمال، يرى أن ما يتوجب التأكيد عليه؛ هو الانبثاق التلقائي، أي المعرفي المترسبة وحداته في العقل الباطن. وعكس هذا تكون الاشارة منفصلة عن جسد النص. بمعنى تلفيقية. ووجودها في النص مصاب بالترهل حسب قول الكاتب. وهذا وجدناه في الكثير من النصوص القصصية والروائية والشعرية، التي تعتمد على صناعة الرمز داخل النص. وهي صناعة ترتكز على قصدية ومباشرة وصنعة ليس إلا. وقد عالجناه في دراسات متفرقة، جمعت في كتاب تحت عنوان "المجاورة والابتكار" المُعد للطبع. وقد عبر الكاتب عن هذه الظاهرة في "يحدث الأمر نفسه للإشارة، عندما تتحوّل إلى معلومة. حين تفقد قدرتها على بناء علاقة جديدة عن تكرارها في أكثر من محل في النص، وتنتفي منها الوظيفة التفسيرية أو التوكيدية. إذ إن الوظيفة الدلالية، تكون قد حققتها في أول ظهور لها"،فالإشارة يتوجب استثمار وظيفتها عبر أداء متمكن واستثنائي في النص، بحيث تُحدث متغيرات على النص من خلال التفعيل الموضوعي والذاتي، ومن خلال متغيرات طبيعة الاشارة نفسها والمحتكمة إلى الضرورة والحتمية الدلالية. لذا نرى أن وظيفة الرمز لا تبتعد عن وظيفة النص. فهو يمتلك وظيفة أدائية للتعبير عن واقع من جهة، ووظيفة جمالية، تخص الخلق الإبداعي للنص من جهة أخرى فالرمز والاشارة ازدواجية الوظيفة والهدف والأداء الجمالي. فالقناع لا يُلغي الشخصية المقنعة، بقدر ما ينهض بإمكانياتها الذاتية في النص.
يبقى حقل التطبيق الذي هيمن على أكثر من نصف صفحات الكتاب. وهذه ظاهرة نقدية مهمة، لأنها اعتمدت على التحليل وفك شفرات النص وإظهار دلالتها. مستعملاً كل كيفيات المناهج الحديثة المُعينة للقراءة. واستعمالها كأداة تحليل لم يكن منفصلاً عن قدرات المهاد المنهجي، ولا عن قدرات النصيّن في التعبير.