ادب وفن

جياد الاعمى يُنبت الشِعر ويورق فيه حيثما يشاء / كاظم السيد علي

في ريف قرية (ابو بلام) اذ تغرق بلونها الاخضر وصفاء سمائها الزرقاء، ولد الطفل الذي اطلق صرخته الاولى عام (1912) في هذه القرية الريفية الجميلة التابعة لناحية القادسية بمحافظة النجف.
انه الشاعر الراحل جياد كاظم ناصر الكطيمي الابراهيمي الشهير والملقب ب(جياد الاعمى) اذ جاء لقبه الاعمى من واقع الحال الذي يعيشه كونه فقد البصر بعد تسع سنوات من ولادته متأثرا بمرض الجدري الذي اصاب العائلة بكاملها، لكن الرب من عليه بموهبة ليعوض بها ما فقد وهي موهبة الشعر، بعد ان ضاقت به الدنيا وصار العبء ثقيلا عليه وكان في فترة صباه قد اولع بالشعر الشعبي، ونمت وترعرعت هذه الموهبة لديه بشكل سريع فاصبح ينظم الدارمي، والقصيدة بشكل متقن، حتى اصبح لسان حال عشيرته في جميع المناسبات فهو القائل عن ثورة الاباء والاجداد ثورة العشرين المجيدة:
انه بثورة العشرين نص الدارمي مني
عمري جان ثمن اسنين بيه اهل الهوه اتغني
وكان ينظم القصيدة والهوسة بالسليقة لكونه من الموهوبين،حتى اصبح معروفا على نطاق واسع في ارياف منطقة الفرات آنذاك خاصة وفي عموم البلاد عامة، حتى وافاه الاجل المحتوم، كما في هذه الهوسة التي قالها ارتجالا بمناسبة المولد النبوي:
ابو ابراهيم رب العرش فخم بيك
كص اسمك من اسمه ابيمنته امخليك
صعدت اعلى البساط ونعلك برجليك
(طب موسى الوادي وصاح وياه)
كان يقول القصيدة من دون تحضير او نظم مسبق، وله في ذلك شواهد في مواقف عديدة كما في هذه القصيدة التي تعبر عن حزنه العميق لفراق الحبيب ومن خلال المعاناة الحقيقية لمأساته اذ كان يناجي كما جادت بها قريحته في قوله:
اريد انشد جميع استاد بيش يسومر البي طر
فراك الخل مرد كلبي واهو كلبه صخر مرمر
فشاعرنا (جياد) كرس حياته ووقته للشعر والشعراء فكان يلتقي مع عدد من شعراء جيله الذين ينظمون القصائد كل ليلة حتى طلوع الشمس كما في هذه القصيدة التي كتبها بالاشتراك مع الشاعر الراحل السيد حسين المولى:
شلي ونه على دار اهواي ينطر الصخر منهه
محد بالخلك مثلي فارك خلته اونهه
***
من وني وبجه مثلي وناح وون مثل وني
عجايب للهوى والشوك كامت تنقل عني
ناصب مأتمي والناس كلها بكيف وتغني
فن غيري الطرب والراح بس روحي الحزن فنهه
***
فن روحي الحزن والنوح والمأتم بكل ليله
اني معذب بجيلي وقيس معذب بجيله
نومه عيونهه الوادم عيوني المدمع تسيله
ماترضه تهجع وتنام ليالي الشوك خلنهه
والخ القصيدة الطويلة
كان شاعرا مثابرا بين شعراء جيله وله مساجلات كثيرة فيما بينهم فقد كان ينبت ويخضر الشعر فيه حيثما يشاء وكان سريع البديهية والارتجال في الرد على ابيات الدارمي التي كانت تصله من جميع الشعراء ومن كافة انحاء المدن العراقية، منها رده على هذا الدارمي الذي اشتكى له به احد شعراء الفرات قائلا له:
اهي لمن يجياد ياخذني النوم
مثل اليتيم ازغير من امه مفطوم
فأجابه الشاعر جياد على الفور قائلا:
يالتنشد عله جياد ارياكه حنظل
مثل اليتيم ازغير عد مرة ابوه ظل
وكانت اكثر كتاباته تتجلى موضوعاتها انعكاسا للحياة اليومية التي عايشها وعانى منها فالممارسات الانسانية الطافحة بالحياة هي موضوعات كتاباته، رغم معاناته الخاصة والتي ارتبطت معه حتى رحيله يوم 26 آب 1999.