ادب وفن

خطاب طارق حسين لشركاء الوطن / عيسى مسلم جاسم

ضخت المعمورة العديد من العينات الماسية من البشر في شتى المعارف والآداب والفنون، وسجلوا صفحات ناصعة في أسفار بلدانهم، ورسموا لوحات زاهية على جدران تواريخهم، هي مجرد، مثابات قلما يجود بهم الزمان، وتحتفظ بهم ستائر الخلود، ونرفع لهم القبعات في مناسبة او من دونها.
لكن المجد الاكب*ر والأثر الأوسع تصنعه الأفكار وتجسده الشعوب يبرز هنا البطل الثوري – جيفارا – القاسم المشترك لكل الافكار، ويحظى بالقبول من جميع التيارات والافكار، بل الجميع يتباهى به، يقول في هذا الخصوص ويقلل من شأن الفرد ويعظم الشعوب:
"أنا لست محرراً، المحررون لا وجود لهم.. فالشعوب هي التي تحرر نفسها" هذا – جيفارا الذي يزكيه، ويقول عنه رجل الدين، قس من "كوستاريكا": - إن لم يدخل – جيفارا – الجنة فلن أدخلها، كان جيفارا قد أنقذ مدينته من طاغيتها، وطببها من الكوليرا، وحده جيفارا كان اباً للقرية، لأنه وحده من كان يطعمها".
نعم هكذا الامر، لذا جاءت القصيدة الشعبية، على شرف الذكرى الثانية والثمانين للفكر الثوري الوثاب، والموسومة "الى – شركاء الوطن –" للشاعر طارق حسين والمنشورة في جريدتنا الاثيرة طريق الشعب، بعددها 160 وبسنتها 81، الاثنين 4 نيسان 2016، وهو عدد مكرس للذكرى العطرة.
جاءت القصيدة بصيغة "خطاب" لم يوجه الى فرد، بل الى جماعة، الى "شركاء الوطن" لسبب واحد ومهم، هو أن المهمة ثقيلة/ جسيمة، النهوض بها يتطلب جهداً جباراً، لذا يتطلب حزمة فولاذية لتجسيد القضية على الارض ومنحها "الأنسنة" في الحياة والنمو، فالشركاء يتفانون معاً باصرار وحرص رجل واحد، وهكذا يتصاعد البناء الجماعي عبر ثمانين عاماً ونيف، برغم الاثمان الباهظة التي دفعها الشركاء.
"ومن يتهيب صعود الجبال... يعش ابد الدهر بين الحفر – ابو القاسم الشابي –" وهكذا تصاعد الاصرار على التواصل على الرغم من الاسوار العالية والوحوش العاتية ولنرى:
إننا أقوى من الموت
وأعلى من مشانقكم
نوزع حبنا للخير والقيم النبيلة تجمعه أسوار الشغيلة/ والشعوب ويحلُّ عليك غضب السماء، وترتكب اثماً هو من صنف "الكبائر" حين تُشرك بهذا الوطن، حين تجافي الشعب، حين تتراخى عن سلاحك العلمي المجرب، فالاشراك والولاء لغيره خط أحمر لا يمكن تجاوزه، او المساس به.
القارئ النبيه الذي يعود الى النص على الصفحة والعدد المشار لهما يجد تخطيطاً ذكياً جداً للفنان "وائل المرعب" يصور حالة الوطن، الشعب الافكار، من خلال البطل الاسطوري خلف القضبان، وبصموده هضم الجور والحرمان،وفي نفس التخطيط سطعت "شمس اليسار" التي ترجمت انبلاج الفجر وان طال المشوار، وان تلاطم الظلام في النفق،لكن في نهايته ضوء يترجم الثورة والخلاص.
القصيدة "دزينة كاملة" من الابيات الشعرية "العمودية" كانت من اثني عشر بيتاً موزعة على ثلاثة مقاطع، على الرغم من وحدة الموضوع وكل مقطع بقافية جديدة، وهذا "مسوغ" لهندسة البناء الشعري فاصبح كل مقطع من اربعة أبيات، وتميزت بقصر التفعيلات، والوطي السريع، مما يبيح سرعة وصول الرسالة للمخاطب وهم "شركاء الوطن"والخطاب يرسم معالم الطريق، ويقتلع الاشواك، ويقصر المسافات ويقرب البعيد، هو كرنفال ملحمي، وجحفل اسطوري، يمتد الى درجة عالية من الاعجاز يعجز الآخرون عن الاتيان بمثله. فقط الذين امتلكوا قصب السبق، وجربوا الصعاب بل وقهروها. هذا القائد "لينين" يضع النقاط على الحروف ويرسم معالم الطريق:
"لا توجد حركة ثورية بدون نظرية ثورية".
- - -
گتلك طويل الدرب... بس بالمشي يگصر
والما عرف خطوته... بأول حجر يعثر
ثمانين عمر انگضت... والگلب بعده أخضر
لا بدلت صاحبي... ولا حالفت عالشر
إقتباس 100 في المئة المقطع الاول كاملاً، هو برنامج متكامل للنظرية الثورية للشركاء في هذا الوطن، يؤكد طول المسارات، ويرفض التردد والتوجس مترجماً المثل الصيني "مسافة الالف ميل تبدأ بخطوة واحدة" لذا نرى في النص "بس بالمشي يگصر" لا ريب لم يكن الامر مواساة او عزاء للنفس بل هو الطريق المضمون والمجرب. فكأن الشاعر طارق حسين يخاطب الشركاء في الوطن، بأن أمامهم رصيد من النظريات والخبر الناجحة يمتد لعقود وعقود، حذار من التردد.
أما البيت الثاني فهو يؤكد المقولة "اللينينية" التي أشرنا اليها، لابد من وضوح الطريق وايضاح الهدف، والا يضيع في المتاهات، وحسب قول الشاعر "بأول حجر يعثر".
يقيناً ان الشركاء لديهم خارطة طريق وهي ليست اجتهاداً آنياً بل لوحة مزهية بالألوان، ومنذ زمان.
البيت الثالث، يتناول الجانب "البايولوجي" وان الكائن الحي لا بد من المصير الحتمي، وسنة الخليقة في آخر المطاف "الهرم". لكن هذا الوليد هو طراز آخر جديد بمرور الزمن ينث شباباً وينزف عنفواناً. نعم هو كذلك كائن حي، ينمو ويتطور، إنه كذلك امر "إعجازي" ثمانية عقود ونيف ولما زال يتدفق شباباً، وحسب الشاعر "والگلب بعده أخضر"، وحسب الشعر الشعبي:
"البير كل ما غمگنه المساحي يزيد ماي" – كاظم اسماعيل كاطع.
اما البيت الرابع، يترجم الثبات المبدئي، والصدق الواعي والتفاني اللامحدود، فلم يخلع سربال الوفاء، ولا يرتضي البديل ولو كان حريراً، أضف لذلك فهو ند للـ"ميكافيلية" فلم يسعى يوماً الى ما يتنافى مع معدنه الأصيل... "ولا حالفت ع الشر".
وردت الكثير من الاشارات الى التضحيات الجسام، ولولاها لما تصاعد ونما البنيان، ولنتوقف عند البيت الآتي:
وصيتهم ع الوطن... أرض وسما وانسان
دوماً نتذكر الافعال الشنيعة للطغاة الذين حاربوا كل المثابات، الطير الى جانب البشر والمدر، نجد في المقابل ان حب "الشركاء في الوطن تصاعد وسال وفاض لينعم على "سابع جار" الارض وما فيها من كائنات جامدة وحية وسيدها وأثمنها الانسان حسب "ماركس"."الانسان اثمن رأسمال"
ناهيكم عن السماء وما فيها وكذلك البيئة، لا ريب، مازالت الغاية نبيلة حتماً الوسيلة والوصول اليها "نبيل" هو الآخر.
وتتوالى الأبيات الشعرية وتعدد خصال الاصلاء، الوفاء، رفض الخيانة، التمسك بالصاحب في القحط، عند الشدة تعرف اخلص الاصدقاء.. الصعاب إمتحان
لمعدن الرجال:
"دربين هوه العمر... لو يسره لو يمنه"
هنا مفترق الطرق، خطاب موجه لـ"شركاء الوطن" لاختيار الطريق الأفضل الذي يفضي الى "الوطن الحر والشعب السعيد". ثم ان هذا البيت هو "تناص" مع بيت كاظم اسماعيل كاطع: هو طريجين العمر/ واحد مذله ومزبلة تاريخ/ والثاني شمس/ واثنينهن يتلاگن بحلگ الگبر. هي مجرد تناص افكار.
مبارك لشاعرنا طارق حسين ومبارك لنا، ولشركائنا في أعيادنا.