ادب وفن

اغنية وقضية / كريم السماوي

قد تختلف الشعوب المناضلة عن بعضها بدرجات الوعي الثوري، لكنها قد تتفق جميعاً بقضايا الوطنية التحررية وحق تقرير مصائرها التي لا تدع مجالاً للاعتذار أو التبرير في الصبر على الظلم والضيم والمساواة التي تعانيها الشعوب فتصبح مشروعة جميع اشكال الكفاح والنضال العديدة التي لا تحصى حسب الضرورة الموضوعية بالوسائل السلمية كالتظاهر عادة بالعصيان المدني وكذلك بالانتفاض الجماهيري وبالكفاح المسلح والمقاومة ان اقتضى الامر بالحاح، وبمعية ذلك تدخل الثقافة التحررية الثورية عامل وعي لكسر القيود والثوابت المحرمة، وعامل انهاض في شحذ الوعي الثوري التحرري بوسائل الآداب والفنون المتطورة لبلورة جوهر القضية التي تؤمن بها الجماهير. واقصد محاور الحرية والعدالة الاجتماعية وحق الوطن والمواطن.
وقد يتسابق المثقفون الثوريون ويتفاعل معهم الديمقراطيون في طريق ودروب التضحية والاباء لمصلحة الوطن العزيز، فيهب المواطن ينشد أهازيج أغانيه المتضامنة مع قضايا الشعب الكادح والوطن في كفاح مستميت يؤدي في معابده طقوس صلوات التضحية والفداء في سبيل القضية الانسانية.
وعلى اعتاب الفن الجماهيري الهادف والادب الشعبي الثوري، لمع شاعر شعب مصر احمد فؤاد نجم وبمعية المغني المعدم الشيخ إمام، فصار الغناء الصداح يصدع رؤوس الطواغيت الحكام، ويقض مضاجعهم، فلا يترددون إن أفلت المناضل من قبضتهم، فيظفرون بالكاسيت والقرص المدمج في اعتقالهم، كذلك السينما والتمثيل والمسرح وحتى اكاديميات الفنون الجميلة، بغية تحجيم الفن الجماهيري الذي دائماً يكسب الانتصار على عقليات الحكام وازلامهم الجلاوزة، فلا شعب يخلو من روح النضال الثوري، طالما لا تخلو الدولة من قمع الطواغيت.
واثناء كل انتفاضة او هبة جماهيرية تحدث انعطافات واستقطابات وتجاوبات سياسية يكون الموقف العام منها ايجابياً. الا انه سرعان ما تغمط من قبل الاذناب والخونة الذين اضطهدوا ويضطهدون الشعب.
وعلى اصعدة تجارب الربيع العربي في تونس فان الشهيد محمد البوعزيزي صار رمزاً ثورياً وراية خفاقة بيد الجماهير الغفيرة في بلدان الشعوب العربية كمواطن اضطهدته دولة وادارة زين العابدين بن علي الذي هرب الى الحجاز.. كانت حادثة هزت ارجاء المعمورة ايضاً، تلك الجثة الطاهرة التي أكلتها النار. بقي البوعزيزي حياً في ذاكرة الوطن والمواطن.. وهب لطفي بوشناق صارخاً (انا مواطن...) وباكياً على استلاب هذا المواطن حياته العزيزة.
اثارني غناء لطفي بوشناق، وليس انتحابه اثناء الغناء، حيث الانتحاب يغدو لحناً آخر يرافق اعزوفة النشيد.
ابتغيت نشر كلمات اغنية (خذوا المناصب والمكاسب، لكن خلولي الوطن) لتطرق مسامع القراء كي يلتقوا مع بوشناق على لوحة اليوتيوب، طالباً منهم نشرها على اليوتيوب لاصدقائهم. فنحن بحاجة الى غناء كهذا يلهب النفوس ويشحذ الوعي.. والاغنية بذاتها معلم انتباه واشارة لما يدور في السياسات المستهترة.
الاغنية:
انا مواطن وحاير           انتظر منكم جواب
منزلي في كل شارع       وكل ركن وكل باب
اكتفي بصبري وصحتي      ثروتي حفنة تراب
ما اخاف الفقر لكن      كل خوفي من الضباب
ومن غياب الوعي عنكم   كم اخاف من الضباب
سادتي وانتم حكمتم       حكمكم حكم الصواب
ثورتي كانت غنيمة       وافرة لحضرة جناب
ما يهمني لا ابالي        الدنيا دايسها بمداسي
لكن خلولي بلادي          كل ما كنتم مآسي
يا هناه الكان مثلي       لا يهمه كان من كان
انتم اصحاب الفخامة         والزعامة واللهن
لم اكن في يوم منكم         يشهد الله والزمن
أنا حر بس كلمه وحده    ان يظل عندي وطن
لا حروب ولا خراب      لا مصايب لا محن
خذوا المناصب والمكاسب   بس خلولي الوطن
يا وطن أنت حبيبي    أنت عمري وتاج راسي
انت يا فخر المواطن      والمناضل والسياسي
انت أجمل وأنت اغلى   انت أعلى من الكراسي
صدح بوشناق فالتهبت الايادي بالتصفيق، وقد حرك مكامن السكون.