ادب وفن

حلم حمدان واختفاء صباح الأسود / مصطفى محمد غريب

حمدانْ .. أتعبه التفكير وأرهقهُ التجوال
فاندس بصمتٍ في القنينة
واستكمل سفرتهِ الخمرية
ثم توجه كالدمع الهارب من عينيهِ
للمقهى الشعبي
وتوقف عند الباب
حدّقَ بالمجموع
واستغرب لا أحداً منهمْ اهتم به
مشغولون ولا مشغولون
حط بلا كللٍ
فوق الكرسي عند " الاوجاغ" (1)
مُحْمر العينينِ
منفوش الشعرِ
يتنفس مثل النول المسرع في ماكنة الحائك
لا أحداً قال له " الله بالخير"
وتنصت مأخوذاً كالعادةْ
فتلاشى كالنوتة في قاموس الشعرِ
وتوسع فاه
مأخوذاً بالصوت الخافت من مذياع الستينات
اطرق رأساً
وصغى لغناء "الثومة" (2)
تطربهُ بعد الكأس الثالثة السحرية
وتقاطع غول الأحزان
فيدندن من شوقٍ
للماضي، تفرزهُ الكلمات المهموسة بالذكرى
أطلالٌ من حاناتٍ ومقاهي تتشابك فيها السهرات
أطلالُ بيوتٍ وشوارع ظلت كالحلم الدائم
أطلال الصالات قبور لا أصحاب لها
غرناطة والخيامْ، وبقايا النصرِ، والسمراميس (3)
كانت في الماضي قبل الماضي المُعتمْ
تتسابق في الرؤيا
ومقاماتٌ تُذْكرها
وحشودٌ من ناسٍ جاءوا من مختلف الحارات.
تمتم في هوسٍ مشغوفاً
ـــ أي غناءٍ يغسل روحي
يغسل أدراني
ويشع الأمل الموجود بضوء القلبِ
أن أمضي، وبلا نفقٍ سري
ـــ أي غناءٍ ينسل سفيراً يعشق رؤيتها
ويراهن باللون الخمري.
لونٌ زهري، عند هلالين يشعان النور على العينين السود
..........
حمدان الغائب والحاضر في الحاضر..
يطوي قدميهِ على عجلٍ
تحت العجزِ
يذرفُ حسرات القلب إلى المؤوى
تتسلق عيناه إلى السقف
فيرى ثومة كالحلمِ
تتقلد أصواتاً ومقامات الرستِ
وتباشر منطلقاً
بمقامات الدشتِ الآهات
حمدان الحالم يطلب شاياً
يهمس في إذن النادل
هل جاء صباح الأسود؟
أي تناقضْ ما بين الصبح النور وشكل الليل
فيهز النادل رأسهْ،
في حذرٍ تكنيكي، ويراقب من حولهْ
يهمس في أذن الحمدان
قالوا: سحبوه إلى زاوية الشارع بالحجة
ثم إلى المجهول القائم خلف السدة
ضربوه على الحاجب
أسفل رأسه
وعلى قلبهْ
ضربوه حتى بال على نفسه
قالوا: كافر زنديق
يشرب ويغني فرحاناً ليل نهارْ،
لا يلطم لا يبكي لا يذهب للجامع.. وإلى آخره
لا ثم ولا.. وصباح الأسود غاب بلا رجعةْ
حمدان الباكي في حيرةْ.. لم يتحرك
وبقى مأخوذاً بالصوت وبالوصفِ
ويفكر في حزنٍ قاني
بصباح الأسود
أي تناغم في الموتِ
ما بين الأسود والأبيض
وتذكر كيف يقلد ثومة
ردد همساً في صوتٍ محشور
هل عاد الدور
ها عاد الحرس السري ؟
هل عاد الجسد المنخور بلا رأسٍ؟
هل عاد المفقود بلا رأسٍ؟
رأسً يتغرب في عاصفة التصفيق.
كان المقهى مثل المقبرة
لا أحداً فيها، أهتم به..
مشغولون ولا مشغولون
مسطولون ولا مسطولون
لا أحداً قال له " الله بالخير"
مصعوقون بتيار الموت الأسود
مرئيون ولا مرئيون
يجمعهمْ وجعٌ من نوعٍ خاص
15 / 5 / 20133
ـــــ
1ــ الاوجاغ مكان صب الشاي في المقاهي العامة
2ـــ ثومة تطلق على أم كلثوم بالعامية المصرية
3ـــ دور سينما سابقاً: غرناطة والخيام والنصر وسيمراميس