ادب وفن

فاضل طعمة.. رحلة مع التشكيل / غانم الجاسور

يمتاز الانسان بطبيعته الفطرية بحب الفنون والاستمتاع بها لكونها السمة الاساسية لتقدم المجتمع، وكونها العوامل الضرورية لرقيه واحتلاله المكانة العالية في التقدم والازدهار والتطور من النواحي الثقافية والسياسية والاقتصادية حيث ان الفنون باختلافها تخدمنا في مفاصل حياتنا اليومية التي نتعايش معها باستمرار وكل مفصل يحتاج الى نوع معين من الفن لآن الفن هو تعبير وجداني يغذي الروح وينعش الحياة ولأنه موجود في كل زمان ومكان منذ الخليقة .. كما ان الفنون باختلافها تأتينا كما لو انها كانت مخبأة في جبل بركاني والفن التشكيلي ليس وليد صدفة وانما هو مجموعة من العوامل المتداخلة والمتشابكة ذاتيا وموضوعيا في سبيل اخراج عمل متكامل يستطيع ان يتقبله المتلقي بكل روحية وجمالية ومتعة وارتياح نفسي.
فاضل طعمة، فنان تشكيلي "اكاديمي" من قضاء الهندية ناحية الخيرات. درس الابتدائية فيها وكانت انطلاقته الفنية الاولى من هذه المدرسة حيث تتلمذ على امهر معلمي التربية الفنية أمثال: محمد هادي وعباس جمعة الزعر.
ظل يمارس هذا الفن في رسم الاشياء والاشكال والاشجار والنخيل من مضامين تشكيلية اسهمت في تنمية الذائقة الفتية الفنية واستدراجها شيئا فشيئا نحو الجمال وروعته بشكل ملفت للنظر واصبح محط اهتمام رعاية ومراقبة من قبل الاساتذة والمدرسين في الرسم وأيضا زودوه بملاحظات وتوجيهات سديدة اسهمت في صقل موهبته الفنية ليضيف إلى فنه تجارب واساليب جديدة كان هو في أمس الحاجة اليها، من كيفية مزج الالوان والتخطيطات الاولية والظلال وغيرها من التوجيهات التي جعلت منه فنانا واعدا موهوبا.
في ذلك الوقت وفي مرحلة الاعدادية شارك مشاركة فعالة في كل المعارض المدرسية واحرز مراتب متقدمة بحصوله على الجوائز والامتيازات وكان انسانا ذكيا ومثابرا ومستمرا في عمله الفني، كما شجعه اهله واصدقاؤه المقربون وزملاؤه واساتذته على تكملة مشواره الفني من خلال الدراسة الاكاديمية، وبالفعل واصل الدراسة في اكاديمية الفنون في بغداد وتخرج منها مدرسا لمادة الرسم ونجح نجاحا باهرا في هذا المجال بمساهماته في المعارض المدرسية العراقية والعربية بعد ان تتلمذ على يد فنانين كبار من الطراز الاول وهم: فائق حسن ومحمد غني حكمت وحافظ الدروبي وكاظم حيدر وفرج عبو ومدرسين اجانب لمادة الرسم والتشكيل.
تخصص الفنان "فاضل" في استعمال الالوان المائية، وتمكن من رسم الاشخاص بمجرد تخطيطات بسيطة اولية ثم بعدها تبدأ مرحلة الالوان والظلال، لأنه كفنان متمرس دائما يرى الجانب الجمالي في الرسم وهذا الجمال والروعة فيه هو محط اعجاب وتقدير من قبل المتلقي .. الالوان المائية عنده وعند كل الفنانين تعتبر من اهم العناصر الفنية التشكيلية حيث تلعب دورا مهما في اظهار العناصر المكونة للوحة الفنية، كما ان الالوان والظلال تعطيان قيمة جمالية اذا كانت موزعة حسب المناطق السطحية للرسم التي تحويها اي لوحة وهذا ما اعتمده فنّاننا في كل اعماله ومواضيعه التي يتحفنا بها بين فترة واخرى، ولأنه يعتبر الالوان هي اساس الحياة الفنية بكل تفاصيلها وتعقيداتها، ولأن الالوان تعتبر هي اساس الحياة.. وكل شيء فيها له لون ولا شيء يوجد في الكون بلا لون، فهو دائم الاتصال بعمله التشكيلي متناولا فن البورتريت وهو فن بحد ذاته مختص برسم الشخصيات، وبرع براعة مميزة في هذا اللون والجانب لما لهذه الشخصيات من سماتها المعبرة عن الوجدان والحركة والملامح البارزة لكل شخصية يرسمها بدقة متناهية وتأنٍ واعتناء مع دراسة اكاديمية تستوعب المدارس المختلفة في التشكيل الفني ليتشبع وينصهر ما بين سحر الالوان والاساليب الموضوعية المتجددة مع الوجدان الروحي المعنوي والمادي اللاهث وراء قيم الجمال وروعته ورونقه والابداع والتألق المنطلق من واقعنا الحضاري والريفي العراقي الاصيل.
عندما يدخل الفنان ورشته الفنية مستسلما صاغرا فهو لا يختلف عن الشاعر في نظم قصيدة جديدة او موسيقي ملحن لتأليف مقطوعة موسيقية تنعش الروح والذاكرة، الا ان الاصوات لا تغادر اذنيه باتجاه شفتيه بل تغادرهما باتجاه يديه، واذا كان الشاعر والموسيقي يستخدمان ايديهما للتدوين فقط فانهما يعملان عمل الشفاه ذلك لأن الرسم يفترض وجود عين ترى هذه العين تتحرك عن طريق العقل "الدماغ" وتنقل اوامرها الى اليد للتدوين، أي تكون لديه ذاكرة قوية ودقيقة في رسم الاشخاص وبمجرد النظر الى اي شخصية تستهويه، حيث يبدأ بالتخطيط الاولي ثم بعدها يبدأ بطلائها بالألوان المائية الطبيعية بفرشاته الطيعة وعندما تراه او تجلس معه لتراقبه في عملية الرسم والالوان ورسم الاشياء والمناظر وصور الاشخاص يجعلك تنشد اليه بشغف ولهفة وترقب حركة انامله لإنجاز لوحة او منظر طبيعي.
بالإضافة الى ما تقدم فانه اشتغل في صحافة الاطفال ورسم القصص المصورة والسيناريوهات في المجلات وخاصة "مجلتي والمزمار" وغيرها من الصحف، كما شارك في عدة معارض مشتركة مع فنانين كبار على قاعة "كولبنكيان"، ومعرض الشباب العالمي هافانا كوبا، وكان آخر اعماله في فن البورتريت ومساهمته المميزة التي نالت استحسان واعجاب الحضور والمدعوين برسم جميع الشخصيات المحتفى بها بريشته الرائعة وفي اطار جميل.