ادب وفن

الخطاب الدعائي الأمريكي من وجهة نظر أكاديمية / ابراهيم الخياط

ثمة تعريفات عديدة للدعاية (propaganda)
وتختلف هذه التعريفات فيما بينها، فيعرفها بعض انها تعبير مدروس عن الآراء او الأفعال بهدف التأثير على الآراء والأفعال من خلال تحكم نفسي، ومن يعرفها انها محاولة متعمدة من فرد او جماعة لتكوين الاتجاهات او السيطرة على الاتجاهات باستخدام وسائل الإعلام، وبعض آخر يعرفها انها محاولة التأثير والسيطرة على السلوك الفردي أو الجمعي، في حين أن هناك من يعرفها بأنها محاولة لإقناع الآخرين بقبول معتقد معين وآخرون يعرفونها بأنها تكتيك للضغط الاجتماعي.
ومع هذا الاختلاف الجلي الواضح البيّن بين التعريفات المتعددة لكنها جميعا تتفق على ان الدعاية هي محاولة للتأثير في تفكير الناس ضمن مدة زمنية محددة.
أما د.باسم وحيد جوني فيعدّ الدعاية واحدة من أهم الأنماط الاتصالية المعروفة والتي وظفتها الولايات المتحدة الامريكية في التعامل مع الدول التي أخضعتها الى نفوذها، ويرى ان من أهم الركائز التي اعتمدتها الدعاية الأمريكية هو الخطاب الدعائي الذي تميّز بسمات وأساليب وخصائص ظهرت واضحة عند رجال الإدارة الأمريكية الذين كانوا ممثلين لمصالحها في بقاع العالم المختلفة.
جاء ذلك في كتابه الموسوم (الخطاب الدعائي الأمريكي – سماته – أساليبه – خصائصه) الذي صدر هذا العام (2016) عن دار أمجد للنشر والتوزيع الأردنية بـ 290 صفحة من القطع المتوسط، وتناول الكتاب بين دفتيه دراسة وتحليلا للخطابات والبيانات التي أصدرها الحاكم المدني الأمريكي في العراق (بول بريمر) أثناء مدة الاحتلال (16/ 5/ 2003 – 28/ 6/ 2004).
تضمن الكتاب ثلاثة فصول، تناول الفصل الأول المبادئ الأساسية للدعاية، وفي مبحثه الأول كانت المفاهيم والمصطلحات المستخدمة في الكتاب وهي: السلطة، الائتلاف، الاحتلال، الحكومة، البيانات، السمات، الدعاية، وهذه الأخيرة تناولها لغة واصطلاحا ووسّع في تعريفها وعدّد أنواعها.
فيما كان مبحثه الثاني عن المبادئ والعناصر الأساسية لاستخدام الدعاية، وأساليب رجل الدعاية في استخدام القوالب النمطية وإطلاق التسميات والاختيار والتكرار والحزم في الطرح ومستوى الجمهور المتلقي والتحول والدلالة بالاقتران واللحاق بالركب والإحباط، ثم تناول قواعد وحدود الدعاية والدعاية المضادة مع عناصر الدعاية وأنواعها وأساليبها ووسائلها مع شرح لتطور مفهوم الدعاية.
وكان المبحث الثالث عن الرموز المستخدمة في الدعاية والتحريض فتناول القيم والصفات التي تتسم بها هذه الرموز من جوانبها: التحديدي الوصفي والتقويمي مع بيان عناصر نجاح الدعاية الدولية وشرح الدعاية السياسية وإدراكها والاقتناع بها وسياقاتها المعرفية وثنائية الدعاية السياسية والإعلام عبر الحقيقة والكذب والمحتمل.
ويستنتج المؤلف ان الدعاية السياسية لا ترتكز فقط على الأوليات النفسية التي تدخلها بل أيضا على القوى السياسية والاقتصادية وحتى البوليسية.
وتناول الفصل الثاني من الكتاب، الأسس الفلسفية للدعاية الأمريكية، وفي مبحثه الأول كان عرضا مستفيضا لمؤسسات الدعاية الأمريكية ومراحل تطورها، من مؤسسات التخطيط للعمل الدعائي الأمريكي الموزعة بين الحكومية الرسمية وهي: (البيت الأبيض، الكونغرس، مجلس الأمن القومي، وزارة الخارجية، وزارة الدفاع)، وبين غير الحكومية غير الرسمية وهي: (جماعة الضغط "اللوبي"، الأحزاب السياسية، الاحتكارات)، ثم يتحدث عن الدعاية الأمريكية ونشأتها وتطورها قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها خلال الحرب الباردة مع توثيق للنشاط الدعائي للولايات المتحدة الأمريكية.
وفي مبحثه الثاني تناول فلسفة الدعاية الأمريكية تجاه العراق والمنطقة العربية ومفصلا الحديث عن أجهزة الدعاية الدولية الأمريكية وعن العلاقات الأمريكية العراقية وعن المصالح وأساليب الاقتراب الأمريكية وعن إستراتيجية الدعاية الأمريكية الموجهة على العراق عبر مرحلة الانفتاح (1824 – 1914) ومرحلة الانتقال (1914 – 1947) والمرحلة العالمية (1947 – 1990) ومرحلة الهيمنة (1991 – 2003)، وأوضح المؤلف بأن السيناريو الدعائي الأمريكي منذ البدايات الأولى للبعثات التبشيرية في العام 1824 مرورا بالحملة العسكرية في العام 1991 وصولا إلى أعمال فرق التفتيش في العام 2002 ما هي إلا حلقة متصلة بالمخطط الاستراتيجي الدعائي الأمريكي تجاه العراق في حين زاد الإعلام العراقي تخبطا في التعبير عن المبررات الواقعية لاسيما بعد احتلال الكويت في 2 آب 1990.
وجاء المبحث الثالث تحت عنوان (الأزمة العراقية ودور الأمم المتحدة) مستعرضا فيه الحديث عن نشوء الأزمة العراقية بعد احتلال الكويت، وظروف التهيئة للحرب على العراق والحملة الأمريكية عام 2003 ضد العراق واحتلاله ودور الأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن 1441 والتفسيرات المختلفة له ثم القرارات 1483 – 1500 – 1511 – 1546 ويعدّ الأخير ـ حسب المؤلف ـ من أهم القرارات لأنه صدر لتحديد مرحلة جديدة في العراق بعد الاتفاق على العملية السياسية وإقرار قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية.
وجاء الفصل الثالث من الكتاب خاصا بالجانب العملي للدراسة، ففي مبحثه الأول كان الحديث عن إجراءات تحليل المضمون وأدواته متناولا تعريف أسلوب المضمون وشرحه ووحدات التحليل وفئات التحليل والسمات الدعائية لكل فئة من الفئات (الاقتصادية، السياسية، الأمنية، الاجتماعية، الثقافية، والدينية)، وشرح المؤلف كيفية تحقيقه الصدق والثبات لتأمين البرهان الموضوعي لصحة الاختبار الذي أجراه.
وفي مبحثه الثاني جاء الوصف العام لبيانات الحاكم المدني في العراق متناولا أولا أساس سلطة المحتل في القانون الدولي ثم تأسيس سلطة الائتلاف وصلاحياتها وكيفية ممارسة سلطاتها واهم قراراتها وتاريخ انتهاء هذه السلطة، ثم جرى استعراض ظروف تشكيل مجلس الحكم وصلاحياته وقراراته، وعلاقة سلطة الائتلاف بالسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وفي المبحث الثالث وضع المؤلف تحليله لمضمون بيانات الحاكم المدني بول بريمر للمدة من 16/ 5/ 2003 إلى 28/ 6/ 2004 والتي عددها مائة بيان للوصول إلى أهم السمات الدعائية التي تضمنتها هذه البيانات، وعزز المؤلف كلامه بالجداول المرفقة مع تفسير نتائج تحليل المضمون للفئات الرئيسة الست آنفة الذكر.
واستنتج الباحث ان السمات الاقتصادية قد حققت أعلى نسبة في بيانات الحاكم المدني في العراق (بول بريمر) في محاولة أمريكية لإظهار الاهتمام بالجانب الاقتصادي لما يشكله من ضرورة ملحة تتعلق بايجاد بنية تحتية جديدة بعد انهيار الاقتصاد العراقي والذي انعكس على الوضع المعيشي للفرد والمجتمع.
ولأن البيانات ركزت بالدرجة الثانية على الجانب الأمني فقد عزا الباحث ذلك لما يشكله من تعقيدات واضطرابات أمنية تشهدها الساحة العراقية، كما اهتم الحاكم المدني عبر بياناته بالسمات الدعائية السياسية ورأى الباحث ان بريمر استخدم كل دهائه وخبرته الطويلة في التعاطي السياسي عبر بياناته وعبر ظهوره الإعلامي الأسبوعي لاسيما عبر التلفاز، وعبر تحركه السياسي مع القادة العراقيين وفي مخاطبته الشعب العراقي.
واستنتج الباحث أيضا استنادا إلى نتائج تحليله ان الحاكم المدني كان اقل اهتماما بالجانبين الاجتماعي والثقافي، فيما تجنب عبر بياناته الجانب الديني ولم يركز عليه ويعزو الباحث ذلك إلى دراية الحاكم المدني الواسعة بالمجتمع العراقي فتعامل بحذر شديد مع الجانب الديني ولذا جاءت السمات الدعائية الدينية في المرتبة الأخيرة.
هذا واستند الباحث في دراسته المهمة هذه إلى قرابة مائتي مصدر ومرجع.
والجدير بالإشارة ان المؤلف يعمل إستاذا مساعدا في كلية الإعلام/ جامعة بغداد/ قسم الصحافة، وهو أيضا خبير قضائي في قضايا النشر، وعضو في نقابة الصحفيين العراقيين.