ادب وفن

الموال في التراث الشعبي العراقي / لفته عبد النبي الخزرجي

(الحلقة الثانية)
تحدثنا في حلقة سابقة عن الموال بشكله العام وتاريخ نظمه والتطور الذي رافق ذلك وكيف كانت الابوذية قد ولدت من رحمه.. وقد ورد في تلك الحلقة "أن البعض من الشعراء قد كتبوا الموال بأسلوب جديد بحيث جعلوا الجناسات متعددة وقد تصل إلى عشرة جناسات ".
ولغرض تأكيد هذا الأمر.. نواصل بحثنا في هذه الحلقة لرسم خارطة طريق واضحة المعالم لهذا الفن الريادي وتطوره وصيرورته نوعا متفردا يمتلك فضاءات متحركة يخوض فيها الشعراء ليثبتوا جدارتهم ومقدرتهم في مواكبة حركة التطور في هذا اللون الأدبي من الشعر الشعبي.
وفي هذا الإطار نقرأ للباحث القدير علي ألخاقاني وفي الحلقة الأولى من كتابه « فنون الأدب الشعبي « إن الموال لون من ألوان الشعر الذي يمكن التعبير عنه بأنه برزخ بين الفصيح والشعبي. أو قل نشأ في بيت مجاور للفصيح. وهو قديم وقد استخدم في الغناء فارتكزت عليه معظم المقامات. أو ارتكز عليها. وقد انتشر في الأقطار العربية. «
وان أول من نطق بالموال.. هم أهل واسط.. وأول بيت من الموال قاله احد أبناء واسط من الشعراء:
منازل كنت فيها بعد بعدك درس
خراب لا للعزا تصلح ولا للعرس
فأين عينيك تنظر كيف فيها الفرس
تحكم والسنة المداح فيها خرس
ويورد الباحث علي ألخاقاني «أن الموال كتب على ثلاثة أنواع» لكل من هذه الأنواع سياقاته التي ينظم على ضوئها. وهذا بطبيعة الحال جاء في رحلة التطور التي عاشها الموال منذ بدايات ظهوره في زمن البرامكة وما بعدها. حيث مر بسلسلة من التجديد والإضافات والتعديل. حتى وصلنا بحلته التي نقرؤها. وما زال الشعراء يتفننون في نظمه وفقا للذائقة الفنية المعاصرة.
ولغرض الإلمام أكثر بما حصل لهذا اللون من الشعر الشعبي. من تطور.. نقرأ شيئا مما كتبه الشاعر المعروف صفي الدين الحلي في أواسط القرن الثامن الهجري في كتابه « العاطل الحالي والمرتخص الغالي « حيث تناول فنون الأدب الشعبي عند المشارقة والمغاربة في ذلك الوقت « ومجموع فنون النظم عند سائر المحققين سبعة فنون لا اختلاف في عددها بين أهل البلاد. وإنما الاختلاف بين المغاربة والمشارقة في فنين منها «. فيأتي على ذكر الفنون السبعة وهي « الشعر القريض والموشح والدوبيت والزجل و المواليا والكان كان والحماق « ثم يورد الموال ويتحدث عنه بشكل خاص عند أهل العراق وانه ظهر في زمن هارون الرشيد وبعد نكبة البرامكة. ويؤكد أن الموال «له وزن واحد وأربع قوافي على روي واحد. ومخترعوه أهل واسط. من بحر الوسيط (صوتا) «. ولم يكتف الشاعر بذلك بل انه كتب الموال أيضا :
قالت وقد طاولت أمري وبان الغدر
وجه لها في الدجى يخجل بنوره البدر
ما ريت ملاح مثلك حاز هذا الفخر
تجدف بخن السفينة وأنت فوگ الصدر
وتسير قاطرة الموال.. حيث تتوقف في محطات لمراجعة هذا اللون ومحاولة إدخال التعديلات عليه ليواكب حركة التطور في الشعر الشعبي.
يذكر السيد علي ألخاقاني.. أن القرن الحادي عشر الهجري.. شهد تطورا لافتا في صناعة الموال.. حيث أصبح ينظم على ثلاثة أقسام :
1 – الرباعي : ومثاله :
وحق يا بدر تغريبك وتغريبي
لا تتبع النفس تغري بك وتغريبي
خل المقادير تجريبك وتجري بي
وتنظر الناس تجريبك وتجريبي
2 – الأعرج : ومثاله :
مالي أرى خلتي عني جدمهم گطع
تدري هواية غوي حبل المودة گطع
ما كان يخطر ولا گلبي يظن وگطع
يا ريت ذاك الگطع حبل المودة گطع
3 – النعماني : ومثاله :
دار الملوك أظلمت عگب الضيا بسروج
وهناك دمعي يكت اعله الوجن بسروج
والخيل لمن تردت واضلعت بسروج
والكدش أصبح لها عزم شديد وباس
والزين دنگ على چف الزنيم وباس
والشهم لو عاشر الوكت مو باس
من جلة الخيل شدوا ع الچلاب سروج
وفي بلادنا. العراق. فإن الشعراء الشعبيين.. قد أبدعوا في نظم الموال وأضافوا له جناسات جديدة وأخضعوه الى المزيد من التحديث والتطوير بشكل لافت وادخلوا عليه تعديلات وإضافات واضحة مما جعله يبدو وكأنه قد لبس ثوبا جديدا بنقش عراقي خالص.
وهكذا قرأنا الموال بجناسات متعددة واشطر تصل إلى خمسة وأربعين شطرا. وهذا الموال الذي ندرجه أدناه.. كان من نظم الشاعر المبدع عبد الصاحب عبيد الحلي :
اعتب وأوعظ ولا فاد العتب وعظاي
يلي بحسنك سبيت جوارحي وعضاي
من حيث گلبي من إظلام الرحم وعضاي
بدرك يمدلول من حين أنولد بدراك
واغتضت من حضرتي هلى ذنب بدراك
وأسمعت حچيك على ما هو حچي بدراك
تجهل محلي الومن حضرتك يسره
وخليت داء العذل بمفاصلك يسره
رحماك يا هاجري عن مطلبي يسره
ومن الدهر طلبتي وياك آخذ وطر
يلي جبينك لمع فجره أبدليلي وطر
يا حيف هجرك هجم صندوق گلبي وطر
تجفل علامك ومني يا حبيبي تمل
واللي تشوفه خصيمي دوم يمه تمل
من مثلي اتگاطعه ويبگه اليصدني تمل
هذي المروة يمحبوبي وصفت عشره
ما شفت يا منوتي زينك بعض عشره
ويا ما يغادي ألجده ليك اعلگت عشره
مافاد وياك كل زيني ألعملته هلك
يمكن لعد چتلتي ربوك يشكر هلك
من حيث كل الذي يبغي وصالك هلك
وأنت يمحبوب شايل بالحسن رايه
وعلى الملاحه يمملوح أصبحت رايه
وچم عالم أبوجنتك شك وشرك رايه
لازم بذچرك مثل فرض العبادة ورد
يا يوم من شفتك تسمح إليه ورد
واشتم يمدلول من روضة وجنتك ورد
وأگول لله الحمد توه الأريده ولم
هذا العليه ناظري شابح وشايل ولم
واجود كلمن عذل يا ترف بينه ولم
يا ساعة الطيب من أحظه بهواك الحظه
وانطيك گلبي التهدم يا حبيبي الحظه
خي عون من بيك يا رب الجمال الحظه
هدوه من الليال ويصب المدامه الهوه
ما لوم كل الذي بنار المحبة ألهوه
مهموم من حرگتي والون اخذته الهوه
إي وحگ من بس ومه الگرص الشمس عاده
للي يخون الملح گلبي صدك عاده
لاچن إلي احباب عودوني البچي عاده
ما گاطعوني اگاطعهم وهم يصلون
وعلى السوابج على گروم العده يصلون
الهم مواضي بها اگلوب الوغى يصلون
ذوله البهم چان شامخ للسما هاماي
اگطعهم زماني الفنه وارگم على هاماي
هادم يصب ناظري لفراگهم هاماي
آسف وعضن ولا فاد الأسف وعضاي
وليس خافيا أن الموال بدأ عراقيا وتطور عراقيا وما زال هذا اللون من الشعر الشعبي يجتاز المفازات سابحا في فضاءات التجديد.. حاله حال الألوان الشعرية الأخرى. وهذه سنة الحياة في التطور للوصول إلى الأفضل.
ــــــــــــــــــ
المصادر : فنون الأدب الشعبي /ح1.. علي ألخاقاني / منشورات دار البيان.