ادب وفن

مزاحم الجزائري والنقد الحديث للشعر الشعبي / مؤيد عليوي

خصائص الأسلوب في شعر حسين قسام النجفي
قبل إعمال نقد النقد في كتاب" خصائص الأسلوب في شعر حسين قسام النجفي " للناقد والشاعر مزاحم الجزائري،في هذا الحقل النقدي الجديد،نحتاج إلى التقديم بسطور عن نقد الشعر الشعبي إذ ((لم يحظَ الشعر الشعبي العراقي على طول مراحله وتعدد فنونه وكثرته على نقد منهجي يحاول سبر أغواره والوقوف على إبداع شعرائه وإظهار ما له وما عليه، وعلى كثرة ما ألف في الإبوذية وفي غيرها من فنون الشعر الشعبي من كتب جمع مؤلفوها أبياتها بجهد وواصلوا سعيهم الى رفد القارئ العراقي بتراثه وإطلاعه على تاريخه الأدبي وما خلفه له أجداده من آداب يفخر بها ويعتز بمؤلفيها،إلا أن الكثير منهم لم يتعد حدود النقد بمدح هذه الأبيات والإشادة بشعرائها.))(1) بينما تعدّ حركة تجديد الشعر الشعبي العراقي على يد الشاعر مظفر النواب سنة 1948، ومعه معاصروه على خطى حداثته الشاعر عريان السيد خلف وعلي الشباني وكاظم إسماعيل كاطع وغيرهم، تعدّ موقفاً نقدياً من الشعر الشعبي الكلاسيكي وتطويره إلى قصيدة الشعر الشعبي الحديث من زوايا عدة: الوزن العروضي، والصورة الفنية والشعرية وغيرها فيما يخص اللغة والمفردة و الموضوع والفن(2)، إلا أنه لم يجسْ ناقدٌ مواضعَ النقد الأدبي بفكرةٍ في مقالٍ أو في كتابٍ نقدي يؤسس لحركة نقدية تحليلية تعمل عملها الإبداعي في الشعر الشعبي بالعراق واغلب شعر اللهجات لدول المنطقة العربية، مثلما جاء في كتاب "خصائص الأسلوب في شعر حسين قسام النجفي " للناقد مزاحم الجزائري الذي استعمل المناهج النقدية الحديثة المُستلة من الدراسات النقدية لشعر الفصحى، مع الارتكان الى ما طوره علم اللغة في حقل اللسانيات - دي سوسر-، ومستعيناً بعلم الإحصاء - عمل الجداول الرقمية للظواهر الفنية - لدعم التحليل النقدي الذي انتهجَ البنيوية التكوينية في استخلاص خصائص الأسلوب من حيث البنية البرانية للكتاب، بينما البنية الجوانية منه – في تفاصيل الكتابة- تتخذ من الدارسة الأسلوبية وعلم البلاغة العربية وعلم النفس وعلم الاجتماع، أدوات في بحث علاقة المدلول الشعري بالموسيقى الداخلية والوزن العروضي والصورة الفنية وكذا...، أما التأسيس لهذا النقد التحليلي أو الدارسة البنيوية للشعر الشعبي العراقي، فيتأتى من أن النقد الأدبي قبل كتاب" خصائص الأسلوب في شعر حسين قسام النجفي "، كان لا يتجاوز الإشارة إلى نوع الشعر من الكلاسيكي أو الحديث وضربه مع شرح لمَا يحمل من معنى، وذكر الوزن، وأحيانا ارتباط القصيدة الشعبية بقصة واقعية، وهذا جيد ومستحسن فنياً، وذاك مخالف للشروط الفنية والذائقة العامة،وكل هذا كان في أفضل أحوال الكتابة النقدية وقتذاك،أما كتابنا قيد هذه السطور فأنه يمثل الفكرة الأولى لتأسيس نقد تحليلي يعتمد المناهج النقدية الحديثة في دراسة الشعر الشعبي العراقي، دراسة مُحكمَة ورصينة تؤسس للدرس النقدي المنهجي، التي ستٌعد مستقبلاً احد أهم أسباب تطور الشعبي العراقي فالشعر لا يتطور دون الحفر في جماليات فنه عبر مناهج النقد الحديث، ومن الجميل أن نبدأ بشعر حسين قسام ونكهته الساخرة المشهورة، نابعة من خيال خصب ومزاج يرسل المرح في نفس المتلقي، بأسلوبه (السريالي): ((كان لظاهرة الأسلوب (السريالي) في أدبه،وفي طرائفه ونكاته التي لمّا يقاربها غيره من الشعراء الشعبيين، - بحسب ما أمدتنا به التجربة التاريخية للشاعر - الركن الأساس في تفرده الشعري)) (3)، ومن هذه القصائد: ((قصيدة "مشاهداتْ" وقصيدة "مما شاهدتُ" التي تحتل المكانة الرئيسة في سلسلة قصائده السريالية، ولأهميتها لابّدَ من الوقوف على نماذج تعريفيه لإستكمال غرضية البحث، فيقول الشاعر في قصيدة "مشاهدات" وهي ذات موضوع غريب، تتضح فيه جماليات المرويات المتخيلة))(4): قصيدة "مشاهدات" وزنها الموشح – من بحر الرمل – (5) ومنها:
لو وكَع بيدي صعدت سابع سمه... أبلا درج واصعد بعيره محزَّمه
****
محزمه واحزامــها مقـــوه وتنك... بيها اريد أوصل وطيرن للفلـك
واكَلب البرغوث والبرغش فَلــك... خاطر اشتل فوكَهن شجرة جمه
****
و لابّدَ هنا من جهة نقد النقد في هذه السطور من الإشارة إلى أثر المرويات الدينية المرتبطة بمكان ما في قصيدة "مشاهدات"، وبيئة الشاعر واختياره طريقة صعوده إلى السماء السابعة! في مخيلته التي خمرتْ قصة الإسراء والمعراج، والتي استخرجها الفعل الإبداعي في هذه اللوحة السريالية، كما أتخذ الشاعر من معاناته اليومية لكسب عيشه والمظاهر الاجتماعية، موضوعات مهمة بأساليب متباينة من غير السريالية،وبصورة عامة ((أنصب جل اهتمامه في صناعة النص على الأطر الشكلانية البرانية وما يرافقها من طرز تزويقية وجدت في لغة الصورة المجازية مادة لتشييد معمارية النص،أما جوهر الأشياء المتمثلة في البنية الجوانية فغالبا ما تبدو غائبة للوهلة الأولى، ومع اتسام لغته بالعمومية الاجتماعية على نحو يتعذر اجتنابه، إلا أنها تمكنتْ من إقامة روابط عميقة فيما بين المحسوس والمجرد، والواقعي بالخيال، متبنية أكثر من وظيفة من وظائف اللغة))(6).
وفي ختام هذه السطور يستحق منا نحن القرّاء الناقد مزاحم الجزائري، كلمة تقدير لجهده المبذول الذي استمر لسنوات (7)، من أجل تقديمه كتاباً مهماً جداً- بوصفه تأسيسا منهجياُ - في الدرس النقدي التحليلي،إلى مكتبة نقد الشعر الشعبي العراقي والعربي، كما قدّم لنا شاعراً – حسين قسام النجفي المتوفى سنة 1959 - لم تلتفتْ اليه الدراسات النقدية القديمة والحديثة في الشعر الشعبي العراقي.
........
الهامش:
1) نقد الشعر الشعبي العراقي، موقع كوكول.
2) مقالتي عن الشاعر مظفر النواب في مجلة السنبلة، الكوفة، سنة 2012.
3) خصائص الأسلوب في شعر حسين قسام النجفي،مزاحم الجزائري، دار العربي للطباعة، بابل،2015: 28.
4) خصائص الأسلوب في شعر حسين قسام النجفي: 194 من مبحث مضمونية الصورة الشعرية السريالية، وينظر : إلى قصيدة تكملة القصيدة وقصيدة "مما شاهدت " وما تضمنته الصورة السريالية فيهما.
5) خصائص الأسلوب في شعر حسين قسام النجفي: 42 من مبحث الوزن، وينظر: علاقة الوزن بالمعنى منه.
6) خصائص الأسلوب في شعر حسين قسام النجفي : غلاف الكتاب.
7) ينظر: خصائص الأسلوب في شعر حسين قسام النجفي: المقدمة 9 – 12.