ادب وفن

زوكالو.. ادونيس خارج خيمة الشعر! / ريسان الخزعلي

قدّم الشاعر الكبير أدونيس لأعماله الشعرية الصادرة عن "دار المدى للثقافة والنشر" عام 1996 باشارة لافتة تمثل تحولا فنيا شعريا ضمن تحولات ادونيس الشاغلة باستمرار.
جاءت الاشارة هكذا: آثرت ان انشر اعمالي الشعرية بترتيب آخر: القصائد القصيرة في مجلد، والقصائد الطويلة في مجلد، والنصوص غير الموزونة في مجلد.
يتخلى هذا الترتيب عن التتابع الزمني، وفاءً لتتابع البنية والايقاع. انه ترتيب ينحاز الى السياق التقليدي التشكيلي – الفني الذي يتأسس فيه النص وليس الى تسلسل زمن كتابته او نشره.
هكذا تتقاطع هذه الطبعة كليا مع الطبعات السابقة من هذه الاعمال، اضافة الى انها تنسخها. وهي، إذن، المعتمدة، وحدها. انتهت الاشارة.
لست بصدد مناقشة اشارة ادونيس هذه، حيث سبق وان اصدرت كتابا عن ادونيس " تحولات ادونيس الشاغلة- محاولة في الانصات والمتابعة" ناقشنا فيه بالتفصيل دلالة هذه الاشارة في سياق تحولات الشاعر الفنية، غير ان المهم الذي اشير اليه هنا، هو عبارة "النصوص غير الموزونة" ومثل هذا التعبير يستخدمه ادونيس لاول مرة وجعله بديلا عن التسمية "قصيدة النثر" التي نظّر لها كثيرا في طروحاته ودراساته وكتبه، وكتب فيها اشكالا متعددة. اذن، ما الذي جعل ادونيس يزحزح التوصيف من قصيدة نثر الى نص غير موزون؟ وكأنه اراد ان يبعد توصيف قصيدة عن غير الموزون هذا. وبذلك اشار ضمنا الى ان الموزون هو القصيدة فقط، وهذا يتقاطع كليا مع فهم ادونيس للشعر، الفهم الذي جاء به في "مقدمة للشعر العربي" و"زمن الشعر" و"سياسة الشعر" و"الشعرية العربية".
وهكذا جاء التحول الجديد، تحول النص غير الموزون لتأسيس مساحة كتابة جديدة في تجربته، اعلن عنها بهذا الوضوح الصادم، كي يمهد لما آلت اليه تحولاته الشعرية الاخيرة التي حادت كثيرا عن قصيدة الشعر وقصيدة النثر، فهما وتطبيقا وهذا واضح جدا في اعماله منذ عام 2010 وهي على التوالي "أول الجسد آخر البحر، تنبأ ايها الاعمى، تاريخ يتمزق في جسد امرأة، اهدأ هاملت تنشق جنون اوفيليا، ورّاق يبيع كتب النجوم، ليس الماء وحده جوابا عن العطش، فضاء لغبار الطلع، كونشيرتو القدس"، وحتى "زوكالو" آخر اعماله الصادر عام 2014.
في "زوكالو" كما في الأعمال التي أشرت اليها، ادونيس خارج خيمة الشعر، فلا قصيدة قصيرة، ولا قصيدة طويلة، وانما هنالك نصوص غير موزونة لم تكن قصيدة نثر على الاطلاق، بعد ان حادت هذه النصوص عن مفاهيم قصيدة النثر بنائيا وايقاعياً، ولم نعد نسمع غير تمثلات ادونيس لحركة الحياة في المدن التي يزورها وذلك بتجسيدها مشهديا وباستغراق نثري طويل يفتقد التركيز والدهشة والعبارة الشعرية. انه في موقف غير شعري انه الموقف الذي مهد له بالتوصيف "النص غير الموزون" منذ عام 1996، استعداداً لهذه المواجهة الجديدة في تحول آخر من تحولاته الشاغلة. الا ان هذا التحول الاخير لم يكن ليضفي أي بريق في عداد الشعر والشعرية، ضمن الفهم العام لهما، او ضمن ادونيس الخاص كما جاء في اعماله الاولى، وكذلك في تنظيراته عالية الصوت والوقع.
"زوكالو" مجموعة أدونيس هذه، وقد جاء الاسم من ساحة او مدينة في مكسيكو تجعل المتلقي يصافح ادونيس في خيمة، خارج خيمة الشعر، وللخيمة الجديدة قد لا نجد قاصداً!
نص من المجموعة اثبته هنا للكشف والاستدلال:
صباح الثاني والعشرين من نيسان 2012.
رجال الامن يستقبلون الآتين الى بلادهم كأنهم
شطآن تحتضن الموج. كل آتٍ الى مكسيكو ضيف
على مايا، مايا تنشر ضوءها بلا حراسة. واكاد
ان اسمع سماءها تتساءل كيف الطريق بين المطار
والمدينة؟ تسيل في الشوارع التي سلكناها:
جينيفر وانا الى فندق لاكاسونا.
تقول هذه اللغة:
اكثر بهاء ان ينسى
الألف ماضيه،
وان يدرس من جديد
صرف المستقبل ونحوه.
وقالت:
تنام أمي الآن مع محيط ليس له قرنان ولا ذيل.
وقالت:
عولمة. محيط من البلاستيك. هل تستطيع ان تتنبأ، ايها الضوء؟
اقرعي طبول الارق، ايتها المدن
الشمس
تحب
دروب
مايا.
• هل يحق لي، هنا، ان اردد خاتمة البيان الشعري العراقي:
أين القصيدة؟
أين الشاعر؟
ألا ان ادونيس كامن حقاً في القصيدة والشاعر..