ادب وفن

دراسة موسعة للجناس في الابوذية (*)(القسم الثالث والاخير) / د. هاشم الفريجي

الجناس المركب التام اللفظي
وهو شبيه بالجناس المفرد اللفظي إلا انه مكون من مقطعين أو أكثر مثل بيت الشيخ راضي علي بيج التالي:
بَسَّكْ يَاْ گَلُبْ هَاْكِثِرْ وَنْبِيْكْ
تَرَاْنِيْ اَذْكِرْ جِفَاْ الخُوَّاْنْ وَنْبِيْكْ
يِصَاْدِفْ يُوْمْ بِيكْ اخْتِصِرْ وَنْبِيْكْ
يَبُوْ طَبْعَهْ هَواكْ اشْعِمَلْ بِيَّهْ
فجناسه الأول مكون من مقطعين (وَنْ بِيْكْ) أي أنين فيك، والثاني مكون من مقطع واحد هما (وَنْبِيْكْ) وتعني (وَنَابِيْكْ) أي أحادثك. وهو فعل مضارع وينقصه حرف الألف، وهو مشابه (لفظا) للجناس الثالث الذي يعني (وأنْبِيئُك) أي أخبرك. ولذلك فهو جناس لفظي لأن (وَنْبِيْكْ) لا تعني (وَنَابِيْكْ) تماما. ومثله هذا البيت أيضا بجناس مركب تام لفظي:
لَيَالْي الْوَصِل چَا يَمْتَه تَجنِّي
سَقيْم إوْ مِن تِصِد عَنِّي تَجَنّيِ
دَلال اهْجَرِت لَو هَجْرَك تَجَنِّي
تَگِلِّي ابْيَا ذَنِب مِحْرِب عَلَيَّه
فالجناس الأول (تَجنِّي) خطاب لليالي الوصل ومعناه تأتين إليّ, والثاني تَجعلُني مجنونا، والثالث تجنِّي كما هي في الفصيح. ونلاحظ أنَّ الجناس فيه حرف مشدد هو النون, وتوضع الشدة على الحرف لتعني أنَّ الحرف الأول ساكن والثاني متحرك (تَجنْنِي). وفي الحقيقة أنَّ الجناس الثاني يحتوي على ثلاثة نونات حذف الشاعر واحدة منها.
فاصله (تِجَنْنِنْيْ) ويجب أنْ يكتب (تِجَنِّنْيْ) أي تجعلني مجنونا بالضبط مثلما نقول (تِحَنِّنْيْ) أي تجعلني حنينا.
ولهذا هو جناس مركب تام (لفظي). والبيت التالي بجناس مركب تام لفظي أيضا:
سَهَرْنَا ابْلَيْل ذِچرَك وَنْتَلاهَه
نِعِد آيَات حِسْنَك وَنْتَلاهَه
يَنَاهِي الحِسِن عَبْدَك وَنْتَلاهَه
إمْنِيْدَك تِطْلُب الْحُوْر الْحِذِيَّه
فجناسه الأول (وَنْتَلاهَهْ) وَنَتَلاها بذكرك، أمَّا الثاني فهو ونتلوها وهو مكون من حرف العطف (الواو) والفعل المضارع (انتلا) والضمير (ها) العائد على آيات حسنك, أي نتلو آيات حسنك. ونلاحظ أنَّ الفعل (انْتَلا) في (وَنْتَلا هَا) لا يعني (نِتْلا) العامية بسكون النون والتي تعني (نتلو) في الفصيح. وبذلك يكون الجناس تاما لفظيا وليس حقيقيا. أمَّا جناسه الثالث فيعني وأنت إله الحسن الذي تطلب منه الحور أنْ يجود عليها بالحسن كما يقول في رباط البيت. أمَّا الشاعر جابر النداوي فيقول:
يَهَل سَارِي ابْذِلولَك وَنْتَبيْهَا
أغِط ابْنَار هَجْرَك وَنْتَبيْهَا
عَليْش اتْدوْس روحِي وَنْتَبيْهَـا
إوْ تِمُوْت اوْيَاي مُوْتَه ابْغيَر دِيَّه
فالأول: (وَيَن تَبِيْهَا) أين تريد بها، والثاني: (أنتبه) والثالث: (أنْتَ فيها) وهذا جناس مركب يبدو تاما لتشابه حركاته وحروفه. لكنه تام لفظي لكونه يحتوي على حروف خارجة على أصل الكلمة في الجناس الثاني وهي الياء والألف. فكلمة (ونْتَبيْهَا) لا تعني وأنتبه. ولا نقولها في حديثنا اليومي.
الجناس المركب الناقص
وهو الجناس المكون من مقطعين أو أكثر وقد اختلفت بعض حركاته أو حروفه. كما في هذا البيت للشاعر الحاج زاير:
سِرَى ظَعْنِ ألأوِدَّه مَا تِوَ نَّه
إوْ رُبِع وَنِّي الخَنْسَا مَا تِـوِ نَّـه
چثِيْرِيْن امْنَ أهَلْنَا مَا تَو نَّـه
مِثِل فَژْتَك فَلا فَژَّوْا عَلَيَّه
وجناسه الأول (مَا تِوَ نَّهْ) مكسور التاء مفتوح الواو وهو مكون من مقطعين (مَا تِوَ نَّهْ) هما ما النافية والفعل المضارع تَأنّى. وهو يصف مسير ظعن الأحبة الذي سرى دون أنْ يتأنى ليلحق به. وفي الشطر الثاني يقول: إنَّ الخنساء المشهورة ببكائها لا تستطيع أنْ تئن (مَا تِوِ نَّـهْ) على أخيها رُبْع ما أنَّ الشاعر على أحبته وهذا الجناس مكسور التاء والواو. أمَّا الثالث فهو (مَاتَوْا انَّـهْ) حل بهم الموت، وتاؤه مفتوحة وواوه ساكن. وبذلك اختلفت الجناسات بحركات حروفها كما بينا فجاء الجناس مركبا ناقصا. ولاحظ أنَّ الهاء الساكنة في نهاية الجناس تلفظ ألفا في الجناسين الأول والثالث بينما تلفظ هاء في الجناس الثاني وهو ضمير متصل يعود على كلمة (وَنِّيْ) في نفس الشطر. ودليلك على الجناس الناقص هو انك لا تستطيع استبدال جناساته ببعضها كما (تلفظ) وليس كما تكتب
(إذا كانت مكتوبة بدون حركات). فإذا نقلت الجناس الثاني وواوه مكسورة، إلى الشطر الأول لاصبح (سِرَى ظَعْنِ الاوِدَّه مَاتِوِنَّهْ) لاختلف المعنى. و (فَژْتَك) بالزاي المثلثة تعني الفراغ الذي تركْتَه. والكثير من الجناسات المفردة والمركبة الناقصة جميلة وتفي بالمعنى الذي يريده الشاعر ولا بأس في استخدامها إلا إنها ليست بقوة وتأثير الجناسات التامة وما تتركه في أذن السامع من تأثير بسبب استواء موسيقاها وإعجابه بقدرة الشاعر في اختيارها. ومن المسميات المتبعة في الجناس، فإنَّ التام يدل على الكمال والناقص يدل على النقص. والبيت التالي للسيد عبد الرزاق السامرائي:
إشْتِبْغِي ابْمَبْسَمَك يَدْعَي مِنَظُّم
سْطِر لِيْلُو ابْعَقِيْق أحْمَر مَـنَظَّم
رِشْف إشْفَاك يِبْريْنِي مِنَظَّم
يِرَيْعِ إحْشَاي مِن حَر الْمِنِيَّه
وجناسه الأول أصله (مِنَ تْظُمْ) وقد مزجت التاء الساكنة مع الضاد المضمومة ووضعت بدلها شدة فأصبحت (مِنَظُّمْ) أي عندما (تضم) أي تخفي سطر اللؤلؤ وهو وصف لأسنانه البيض، بعقيق أحمر وهو تشبيه عن لثته كما يشرحه في الشطر الثاني لأنَّ الجناس الأول مدور. وفيه حرف الميم مكسور والظاء مضموم. أمَّا جناسه الثاني فيعني منظوما وهو يشير إلى سطر اللؤلؤ وقد جاءت ميمه مفتوحة وظاؤه كذلك. أمَّا جناسه الثالث (مِنَ الظَّمْ) فيعني من الظيم. وقد حُذفت ياؤه فهو بذلك جناس مركب ناقص بحركاته وحروفه. وهذا البيت للشاعر الملا عبد الباقي العماري:
يَهَل مَخْلوْگ ولْفِي مِنْهـُـلَحْلَه
شَبيْه الْحُوْر حِسْنَه مِنْهَــلَحْلَه
وَلا مِن مَنْهَل إلا مَنْهَلَـحْلَه
إوْ غَزالَه إوْ لَيْل جَامِعْهِن سِويَّه
فالأول (مِنْهُو لاح لَهْ) مَن لاحَ لَهُ، ويقصد من شاهده، والثاني (مِنْهَا لأحْلَى) انّه منها لأجمل، والثالث (مَنْهَلَه أحلى) ويقصد بها فمه او رضابه أحلى. وتلاحظ اختلاف حركة حرف الهاء، ففي الجناس الأول يجب أنْ يكون مضموما (منهُو) وفي والثاني (منهَا) مفتوحا كذلك لاحظ حركة حرف الميم المختلفة. لاحظ الفرق بينه وبين البيت التالي بالجناس المركب التام:
يَحَادِي الْعِيْس بَالْلَه أعْليْك وَنْبِيْه
لَمَن يَلْحَگ شِرِيْچ الْرُّوْح وَنْبِيْه
وِنِيْنِي مُوْش كِلْمَن گام وَنْبِيْه
يِوِن بِيْه الْحَدِر ضِلْعَه شِچيَّه
فالأول (وَن بِيْه) تأنَّ بِه في سيرك والثاني (وَنْبِيْهْ) وأخبِرُه والثالث (وَن بِيْهْ) أنَّ بِه من الأنين. ففي هذا البيت تتجلى روعة الجناس التام الحقيقي والبيت الإنسيابي بلهجة عراقية خالصة لا تشوبها الإضافة او الحذف الذي يشوِّه الكلمات ويخرجها عن معناها الحقيقي. ويقول الشاعر حسين العبادي:
إهْلا يَبْنِي تِلَگَّاهِن حَيِلْهِن
چماَ النَّاقُوْس يِتْرَنَّم حِيِلْهِن
الشِّرِيْعَه إتْبَسِّمَت وِالْشَّط حِـيَلْهِن
طِغَى إوْ زَاد إوْ طُفَح وِنْچلَت مَيَّه
والجناس الأول (حَيِلْهِنْ) مكون من مقطعين هما (حَي الْهِنْ) ويعني حيي لهنَّ أي تلاقَّهُن بالتحية. وجناسه الثاني (حِيِلْهِنْ) مكون من مقطعين أيضا هما (حِيِل هِنْ) والأول (حِجِل) والثاني ضمير النسوة. وهو يصف أصوات خلاخيلهن التي تصدر أصواتا جميلة (چمَا) أي كما يترنم الناقوس. والجناس الثالث (حِيَ الْهِنْ) صار حَيَّا لهنَّ بعد أنْ كان جافا فامتلأ بالماء كما يصفه الشاعر في رباط البيت. وتلاحظ اختلاف حركات الجناس بشكل واضح.
ومن الجناس المركب الناقص المرفوء قول الشاعر ناجي الصايغ الحلي:
أسُوْم الله عَلِيْك اوْيَاي دِمْهَل
مَوَدَّه وِالدَّمِع بِجْفَاك دَمْهَل
يِعَجِّل مِن يِخَاف الْمُوْت دَمْهِـل
أرَاك إوْ نَفِّذ الْمَحْتُوْم بِيَّه
فالجناس الأول (دِمْهَلْ) مكون من (دِم هَلْ) ودِم فعل أمر بمعنى أدم من الديمومة و(هَلْ) المكون من اسم الإشارة وألف ولام التعريف، ويعني (هذهِ ال) وهو مرفوء مع كلمة (مَوَدّة) في الشطر الثاني، أي استمر ب (هل موَدَّه) (بهذه المودة) بيننا. وهو يستحلفه بالله تعالى (أسوم الله عليك) أنْ يفعل ذلك. ونرى أنَّ حرف الدال في بداية الجناس الأول مكسور بينما جاء الجناسان الآخران مفتوحين، فالجناس الثاني (دَم هَلْ) يعني أنَّ دمعه يجري دما لفراقه،
والثالث يعني تَمَهَّل في سيرك حتى أمتع ناظري برؤيتك. كذلك بالنسبة لحرف الهاء الذي جاء مفتوحا في الجناسين الأولين ومكسورا في الثالث.
3- أنواع أخرى من الجناس
الجناس المرفوء
وهذا النوع من الجناس مَر ذكره ويسمى المرفوء وهو إضافة مقطع او كلمة إلى الجناس من الكلمات التي تليه كما نشاهد في هذا البيت:
رُمَانِي إهْوَاك يَامَدْلُوْل بِالسِّـل
إوْ دَمْعِي فَيَّض الْوِدْيَان بِالسِّـل
أخِبْرَنَّك تَرَى ظَلَّيْت بَالسِّل
نِفَس يِصَعَد إوْ يِنْزِل غَصُب بيَّه
والجناس الثالث (بَالسِّلْ) الذي يعني (بَس ال)، المكون من كلمة (بس) التي تعني فقط وألف ولام التعريف، ونلاحظ أنَّ الشاعر أضافه إلى كلمة (نِفَسْ) التي في بداية الرباط فأصبح الجناس (بَس النِفَسْ). ومثله:
نِسِد عَلْخَصُم يَوْم الْحَرُب بابِــل
هَزيْمَه إوْ حِنَّا بيْهَا اطْيور بابِــل
السَدَّه والرُميْثَه وَارِض بابِل
إشْهِدَت بافْعالْنَا والْفيْصَليَّه
وجناس البيت الأول (بابِلْ) مركب من (بَاب ال)، وهو مكون من كلمة (باب) وألف ولام التعريف فأضافه الشاعر إلى كلمة (هزيمة) في بداية الشطر الثاني فأصبح (باب الهزيمة) لإكمال الجناس. ويختلف عن المدور الذي يكون جناسه تاما أي كاملا بكل حروفه لكن لا يتم معناه إلا بالكلمة الأولى من الشطر الذي يليه.
جناس التورية
أمَّا جناس التورية فلم أعثر على بيت إبوذية يحتويه في جناسه أي في نهاية الشطر كما هي العادة المتبعة في الجناس، ولكن في هذا البيت استخدم الشاعر جناس التورية في حشو الشطر الثالث:
گَلْبِي غَيَّم إوْ لا ظِنِّتِي إيْصِح
إوْ مِن وَجْدَه يِنَادِي الْغُوْث وِيْصِـح
لُو گالَوا جَوَاد إيْحَصَل وِيْصِح
أگِلْهُم لِلْرِچِب لا لِلْعِطِيَّه
فكلمة جواد في الشطر الثالث هنا لها معنيان: فالأول هو الرجل الكريم الذي يجود بماله على الآخرين، والمعنى الثاني هو الحصان الذي يستخدم للركوب. وقد بينهما الشاعر في رباط البيت. فهو يستبعد وجود الرجال الكرماء حتى لو قيل له هناك جواد فإنَّه يعتقد انه الحصان وليس الرجل الكريم. وقد جاءت جناساته ناقصة لفظية فالأول بدون حرف الواو الذي يسبق الجناسين الباقيين. والثاني يصيح ولكنه بدون ياء ولذلك كلاهما جناس لفظي. أمَّا الثالث فهو يَصِح أي يوجد. وفي هذا البيت ذي المقاصير:
مُهْرَه إوْ لِلِمْچَبِّشْ خُوْشْ لاگَاتْ
إوْ دَعَتْ گَلْبِيْ يَخُوْتِيْ اثْنَعَشْ لاگَـاتْ
بِتْ ارْشُوْدْ شَاْلَتْ جُودْ
حَمْرَهْ اخْدُودْ بَيْضَهْ ازْنُودْ
گَبَّهْ انْهُودْ صَبَّنْ سُودْ
تِرْمِيْ افْرُودْ يا مَگْرُودْ
رِدِّ ارْدُودْ
إلبْنَيَّهْ ابْعاْلِيْ الزُّوْدْ لاگَاتْ
إمْنَوِّشْ وِالخِطَاْهَاْ اعْيُوْنْ إبَيَّهْ
فعبارة (رِدِّ ارْدُودْ) جناس توريه: فهو يعني (يا مَگْرُودْ) أي يا مسكين ارجع رجوعا لأن هذه الجميلة ترمي (افْرُودْ)، الشاعر ربما يريد أيضا ارجع رجوعا الآن لإكمال بيت الإبوذية بعد هذه المقاصير.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) تنطبق هذه الدراسة للجناس على جميع مجنسات الشعر الشعبي العراقي
بعض هذه الجناسات خاصة بالشعر الشعبي من استنتاج الباحث.
يرجى الاشارة الى الباحث والمصدر عند النقل او الاقتباس