ادب وفن

عن الأغاني الهابطة وأشياء أخرى / ستار الناصر

الأغنية هي زاد الذائقة البشرية باعتبارها أقدم أصدقاء الإنسان، وهي أنس المثابر في وحدته. وبتطور معارف المجتمع وتراكمات جماليات الحس وانتشار معالم المدنية في المجتمعات تطورت الأغنية بوصفها من أهم وسائل التعبير وأول خطوات تطورها نجاح الاغنية وخروجها من سيطرة الأديرة المختلفة التي اتخذتها وسيلة تبشير بعدما أدركت ان للموسيقى والغناء قدرتهما الكبيرتان على التأثير في الناس . فكان هذا الفصل المنتج احد عوامل تطور الأغنية واتساع مساحة استيعابها الهم الإنساني وتعدد مهماتها وباضطراد فصارت خير مُعبّر عن مكنونات الإنسان . وأخذت بجدارة مكانا واسعا في ذائقته. وبقي فرعها الآخر "الديني" يستغل في حقله الخاص الذي صار يعرف بالتراتيل. ورغم هذا الفصل بين الاغنية المدنية والدينية ـ بوصفه ضرورة ـ ظلت الأغنية بفرعيها تلتقي في الخطوط العامة من ناحية الجانب الفني.
مرت الأغنية العراقية بمراحل عدة كلها كانت تصب في معين تطورها واقترابها من الناس في أفراحهم وأتراحهم، خاصة بعد ظهور أجهزة التسجيل التي وثقت مجمل الأغاني العراقية، وكذلك ظهور محطة الإذاعة ومن ثم محطة التلفزيون. وتطورت كذلك الحاجة إليها لأنها صارت حاجة ملحة.
لم تكن الأغنية العراقية عبر مراحل تشكلها بهابطة على النحو البائس الذي نسمعه اليوم حيث يدور في دوامة الصراخ المزعج والكلمات الهابطة التي يكثر فيها الشتم والسباب. وأول ضحاياها المرأة حيث تناولوها أسوء تناول وهم مستمرون حتى اليوم لأنهم لا يخافون رقيبا، فهم مدركون تماما أن لا راد لما يفعلون لأسباب كثيرة أهمها غياب لجنة فحص الأغاني وضعف دور نقابة الفنانين في الحد من هذه الظاهر السيئة.
واليوم ونحن في أمس الحاجة إلى الأغنية المعبرة عن تطلعات الإنسان العراقي الذي ذاق الأمرين من تعاقب الحكومات الفاسدة التي أضرت بالبلاد أيما ضرر، نرى ونسمع استمرار واتساع هذه الظاهرة ـ ظاهرة الأغنية الهابطة لحنا وشعرا واداء ، وانتشارها المفزع عبر الفضائيات والإذاعات، وهذا من شأنه أن يجعل الذائقة ولا سيما ذائقة الشباب في خطر.
ان الصرح الشامخ للأغنية العراقية الذي شيده أفذاذ عبر مسيرتها الطويلة يجعلنا نناشد بقوة المسؤولين في المشهد الموسيغنائي أن يأخذ كل واحد دوره في الحد من هذه الآفة التي تسيء إلى أذواق الناس بشكل مباشر أو غير مباشر. وربما تقف نقابة الفنانين في الصف الأول للنهوض بهذه المسؤولية الوطنية. ولقد ساعدت الشركات التجارية كثيرا في انتشار مثل هذه الأغاني عبر امتلاكها استوديوهات حديثة وإصرارها ـ من اجل الكسب المادي ـ على قبول مثل هذه الأغاني التي تفتقد أبسط مقومات الأغنية الملتزمة باحترام المتلقي الذي يفترض أن تكون كل الجهود الجمالية من أجله. وبرغم أن مثل هذه الأغاني تموت بعد بثها مباشرة لكونها استهلاكية الطابع ، لكن هذا التراكم الكمي منها يجعلنا نشعر بالخوف على ذائقة الشباب الذين هم المستقبل بالإضافة الى صعوبة أن يظهر من هذه الموجة مطرب يدرك أوبرا وقوانين الأغنية الملتزمة.