ادب وفن

في رحيل المفكر صادق جلال العظم

طريق الشعب
توفي في برلين يوم الأحد الماضي المفكر السوري صادق جلال العظم، الذي يعتبر أحد أبرز المفكرين العرب في العصر الحديث، واشتهر بأفكاره الجدلية حول العلمانية، مخلفاً إرثاً ثقافياً كبيراً.
وحصل العظم خلال حياته على العديد من الجوائز عن أعماله الفكرية حول العالم، ففي عام 2004 حاز على "جائزة ليوبولد لوكاش للتفوق العلمي" التي تمنحها جامعة توبنغن الألمانية، ومنحه "معهد غوته" وسام الشرف الألماني عام 2015، وفي عام 2016 أعلنت عائلته تأسيس "مؤسسة صادق جلال العظم" قائلة إن الهدف منها هو المحافظة على "إرث صادق جلال العظم الفكري والثقافي واستمراريته"، كما أعلنت "مؤسسة اتجاهات - ثقافة مستقلة" مطلع هذا الشهر 2016 فتحها باب التقدم إلى "جائزة بحثية استثنائية تحمل اسم العظم.
واستذكر الناقد داود سلمان الشويلي قراءاته كتب الراحل قائلا :"تعود رفقتي المفكر العربي الكبير د. صادق جلال العظم الى فترة النصف الأول من سبعينات القرن الماضي، حيث قرأت فيما قرأت مجموعة كتب وهي عبارة عن ردود على كتاب نشره عام 1969 بعنوان "نقد الفكر الديني".
اما كتابه " ما بعد ذهنية التحريم " – 1970 - فقد ناقش المفكر رواية سلمان رشدي "آيات شيطانية" بإسهاب، وقد رد على من انتقده.
ثم جاء كتابه "دفاعا عن المادية والتاريخ" الذي دافع فيه عن المادية تلك من خلال ثلاثة محاور فلسفية.
وقال الصحفي السعودي محمد السيف رئيس تحرير المجلة العربية :"رحل صادق جلال العظم، تاركاً فكراً كاملاً، فيما يراه البعض مدرسة بحد ذاتها، ومخلفاً عدداً كبيراً من الأصدقاء والصديقات والقراء، الذين بكوا رحيل آخر المفكرين السوريين، البعض نعاه باكياً بذكرى أو كلمة أو حادثة، لكن الكل أجمع أن شجاعته لم يكن لها مثيل، وأنه برحيله فإن "كلمة الحق تترجل"!.
وبين الصحفي والباحث وائل سواح انه :"حين كان كل معلم مدرسة أو كاتب مبتدئ في جريدة يطالبك بأن تناديه "أستاذ" كان المفكر السوري الأبرز يقول لك ببساطة: 'نادني صادق من فضلك"!
وقال الكاتب عبدالله عبدالكريم :"لا يخفى على أي مطلع على الفكر العربي المعاصر، ما للمفكر السوري صادق جلال العظم من دور كبير في إذكاء جذوة نقد متمردة ازاء الموروث وأقانيمه ومقولاته، في محاولة لنبش وتفتيت ما تكلس منه وما تخشب. فهو لم يضع منهجا متكاملا في النقد، أو يتبع أسلوبا مدشنا كغيره العديد من المفكرين الأكاديميين، وإنما كان يسعى معتمدا على ما تمليه عليه أفكاره المتوقدة دائما، إلى مشاكسة التابوات والخطوط الحمر. فكان كتابه "نقد الفكر الديني" الذي أثار ضجة في المنطقة أواخر ستينيات القرن الماضي، لا سيما في الساحة الدينية، حتى انه فصل من وظيفته الجامعية إثر ذلك، وواجه عددا من رجال الدين، عبر نقاشات ومناظرات وسجالات، وحوكم قضائيا بدعوى التجاوز على الموروث الديني. إلا انه وبفعل حذاقته ومعرفته بالقانون، وبما يمتلكه من حجة فكرية، استطاع ان يرجع القضية، ويحصل على براءته.
وواظب العظم نقده الأصولية الدينية، لا سيما في كتابه المعروف "ما بعد ذهنية التحريم"، حاملا لواء المشروع العلماني - الديمقراطي في مواجهة مختلف أنماط قوى الإسلام الأصولية المتطرفة، في سوريا والعالم العربي، وبقي ملتزما في مجابهته تلك حتى آخر أيامه، عازما على تشذيب الذهنية الدينية، وعلى إعادة بنائها بعيدا عن التطرف والغلو الأعمى.
الكثيرون من المفكرين التنويريين، من ذوي التركة الفكرية الغزيرة، رحلوا، إلا ان أفكارهم بقيت حية، تنافح عن الإنسان وحريته وكرامته، وتخلخل أسس الفكر الظلامي، الذي لا يزال هناك من يعمل على إشاعته في المنطقة لإبقائها خارج التاريخ، وحرفها عن مسيرته التصاعدية نحو الحداثة، وصيرورته.. أقول ان العظم، الذي يتطلب الحديث عنه وعن أفكاره صفحات طائلة، لم يرحل، فهو واحد من أولئك التنويريين".
وأعرب الروائي عبدالكريم العبيدي عن عميق حزنه بوفاة "العظم" قائلا :"حزين على رحيلك حتما، مثلما سيحزن عليك "إيمانويل كانت" والجامعات "الأمريكية وبرنستون ويال ودمشق والأردن ومجلة الدراسات العربية".. ستبكيك جوائزك الدولية "وسام الشرف الألماني من معهد غوته وليوبولد لوكاش للتفوق العلمي وإيرازموس".
ولكن سيولد من جديد "نقد الفكر الديني والاستشراق، والاستشراق معكوساً، وما بعد ذهنية التحريم، ودفاعا عن المادية والتاريخ، وفي الحب والحب العذري".