ادب وفن

عن الفيلم الوثائقي "الأربعين روح مدينة" / لطيف عبد الرحمن الوندي

الفيلم الوثائقي "الأربعين روح مدينة" هو أول فيلم عراقي يوثق جرائم عصابات داعش باستهداف وتدمير آثار العراق وشواهده الحضارية والدينية
يتناول الفيلم عبر ساعة تلفزيونية تاريخ مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين الذي يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد حسب المصادر التاريخية المدونة ، مستشهداً بالمؤرخين والكتاب للحديث عن ذلك ، ثم ينتقل في الجزء الثاني منه للحديث عن أهم معلم تاريخي إسلامي من معالم المدينة متمثلاً بعمارة الأربعين المعروف بقبتيه النادرتين اللتين تعودان إلى القرن الرابع الهجري و يضم رفات أربعين صحابياً من شهداء الفتح الإسلامي للمدينة عام 16 هـ ، هذا المعلم التاريخي الذي يقع وسط المدينة يضم مسجداً وأواويناً وبئراً وملحقات أخرى قامت دائرة الآثار بإعادة ترميمه أواسط التسعينيات بوصفه أحد أهم معالمها التاريخية والدينية .
ففي تاريخ 24 ايلول 2014 تعرض إلى تدمير كبير عقب تفجيره بالكامل من قبل عصابات تنظيم داعش الإجرامية ، ذلك العمل المشين أدى في حينه الى ثورة عارمة في أوساط المدنيين الرازحين تحت سيطرة التنظيم والذين لم يتمكنوا من مغادرة المدينة لأسباب مختلفة مما دفع منفذي تلك الجريمة الى الادعاء بأن الطائرات الحكومية قامت بقصفه وهو ما ينفيه جميع شهود العيان الذين تأكدوا تماماً من بصمات أولئك المجرمين على هذا العمل البربري الذي سبقه تفجير مرقد النبي يونس عليه السلام في مدينة الموصل .
يشكل هذا المعلم المهم علاقة وطيدة بمجتمع تكريت بسبب ارتباطه بالمعتقدات الدينية لأهلها حيث كان ومازال مكان تجمعهم الوحيد للاحتفال بعيدي الفطر والأضحى والمناسبات الدينية الأخرى منذ مئات السنين علاوة على قدسيته التي اعتادوا على التفاعل معها .
رياض الجابر الذي قدم العديد من الأفلام الوثائقية عن تأريخ محافظة صلاح الدين يتحدث بصفته مخرج هذا الفيلم عن الرسالة التي أراد إيصالها من خلاله يقول :
من المعلوم أن المدن تشيخ ولكن لا تموت .. وأن تلك الجريمة النكراء تركت ندبة سوداء في فضاء المدينة و ستظل وصمة عار على منفذيها، وهي دليل على كراهيتهم هذا البلد العريق وحضارته العظيمة باستهداف آثاره وشواهده التاريخية.
ويضيف: استغرق العمل في هذا الفيلم أكثر من ثلاثة أعوام حيث كنت قد بدأت العمل فيه قبل وقوع مدينة تكريت أسيرة بيد تلك الفئة الضالة وكانت فكرة الفيلم بالأساس تتحدث عن هذا الأثر بوصفه معلماً تاريخياً مهماً ، وكنت قد أنجزت تصويره بالكامل ، لكن العمل توقف سنتين بسب ما مرت به المدينة من محنه وما تعرض له "الأربعين" من دمار فقمت بتصوير مشاهد لما لحق به من خراب وأعدت كتابة السيناريو ليتحدث عن كل ذلك .
ويتضمن الفيلم لقطات أرشيفية نادرة عن مدينة تكريت وعمارة الأربعين تعرض لأول مرة كما استخدمت أحدث التقنيات المتاحة لإعادة تصوير مشهد التفجير الإجرامي لهذا المعلم التاريخي المهم.
الفيلم سيتضمن مشاهد محاكاة بتقنية ثلاثية الأبعاد أعادت رسم قلعة تكريت التاريخية وسورها ، وهذه الإضافة المهمة ستكون محتوى آخر لرسالة مفادها أن محبة العراقي لأرضه لها عنوان واحد لا يتأثر بالزمان ولا المكان ولا الانتماء، يقول الجابر:
خلال عملي في مراحل الإنتاج اتصلت بأحد المبدعين العراقيين المهاجرين هو الفنان التشكيلي قيس يعقوب المقيم في فرنسا وهو أحد أهم الكفاءات العراقية الذين لم تسلط عليهم الأضواء للأسف الشديد وهو المختص في إعادة تجسيم وتصوير حضارة بلاد وادي الرافدين بتقنية ثلاثية الأبعاد حيث قدم أعمالاً مذهلة عن الحضارات السومرية والآشورية والأكدية وعن بغداد ومعظم مدن العراق الأخرى ، فعرضت عليه فكرة اعادة تجسيم قلعة تكريت التاريخية وكنيستها المعروفة بالخضراء وسورها الشهير فأبدى استعداده الكبير لتنفيذ هذا العمل التاريخي المهم الذي استغرقنا زمناً ليس بالقليل بسبب بعد المسافة بيننا ولكون العمل يتطلب مهارة عالية تعتمد أدق التفاصيل التاريخية المدونة والموثقة في هذا المجال ، والممتع في كل ذلك إنني والفنان يعقوب جمعنا حب العراق وتاريخه المشرق وانتماؤنا الوثيق إلى الإنسانية وهو المسيحي الديانة العراقي الصميم قلباً ودماً ونحن ننسج معاً لوحة جميلة عنوانها الوفاء للعراق .
من جانبه أكد المهندس والفنان التشكيلي المغترب قيس يعقوب والمقيم في باريس خلال اتصال هاتفي معه أن حبه العراق وحنينه الدائم لأرضه هو مصدر الهام كبير لمعظم أعماله الفنية التي ينفذها، ويضيف:
منذ سنوات اتجهت إلى إعادة إحياء تراث و حضارة العراق القديم من خلال تقنية ثلاثية الأبعاد حيث قمت بإعادة تجسيم 14 مدينه قديمة وكل ذلك تم بجهود فرديه بالكامل وبإمكانات متواضعة وهو مقدمات بسيطة "نموذج" لكل مدينه من مدن وادي الرافدين لفترات ما قبل الميلاد وما بعده واطمح أن اجمعها بعمل كبير لاحقاً ، ومن المدن التي نفذت إعادة تجسيمها "أوروك , أور . نيبور "نفر", بابل , خفاجة , شادوبوم "تل حرمل", نينوى , خرسباد , آشور , نمرود ، تكريت ، بغداد" فيما عدا الكثير من المشاهد التاريخية المفصلة لمدن العراق بأزقتها وحواريها وفعالياتها الاجتماعية.
ولا يخفي الفنان يعقوب ألمه الشديد على ما يعانيه من إهمال من قبل وزارة الثقافة والآثار العراقية الذي يتمنى صادقاً أن ترعى أعماله الفنية تلك بتبني عرضها في المتاحف داخل وخارج العراق لما تحويه من قيمة تاريخية عميقة توثق شواهد بلاد الرافدين منذ فجر الحضارة بتفاصيل دقيقة كما أوردتها المصادر التاريخية والبعثات العالمية للتنقيبات فيها.