ادب وفن

في مئوية شارع الرشيد / معتز عناد غزوان

يعد شارع الرشيد من أقدم وأهم شوارع العاصمة العراقية بغداد ، إذ يعود تاريخ تأسيسه إلى عام 1910م ويقال في روايات أخرى إلى عام 1912م، إبان الحكم العثماني للعراق. وقد سمي باسم شارع خليل باشا جاده سي الحاكم العثماني لبغداد آنذاك. وتشير المصادر التاريخية إلى قيام الحاكم العثماني بتوسيع هذا الشارع المهم ليربط ما بين منطقتي الباب المعظم والباب الشرقي كما هو اليوم، يمتد من بداية ساحة الميدان وجامع الأحمدي إلى بداية شارع أبي نؤاس. يمثل شارع الرشيد الأيقونة البغدادية التي تتميز بها بغداد بملامحها الشرقية الأصيلة من عمارة وزخارف وشناشيل مع وجود أهم المراكز التاريخية والحضارية الإسلامية وغير الإسلامية التي تنتشر بالقرب منه، كالمدرسة المستنصرية التي تعد أهم معلم حضاري يمثل المنعطف التاريخي المهم في الثقافة والتعليم في العصر العباسي والتي بناها الخليفة المستنصر بالله.
يمثل شارع الرشيد اللبنة الأولى لنمو الفكر والثقافة العراقية الحقيقية بسماتها البغدادية الأصيلة التي تتميز بها ما تبقى من تلك المباني القديمة التي تحمل هوية العراق في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي.
وتجدر الإشارة إلى أن اغلب المشاريع المهمة آنذاك كانت تنشأ في هذا الشارع نظراً لما يمثله من وجه عصري ولامع لبغداد في تلك الفترة والتي كانت تسمى بساحرة الشرق. لقد شيدت العديد من المباني لمعماريين عالميين في شارع الرشيد كما أخذت العديد منها أسماء متميزة أصبحت لصيقة بالذاكرة الثقافية العراقية كعمارة "اللنج" المتميزة بمكوناتها الجمالية والفنية. وتشير المصادر التاريخية والمعمارية إلى أن نشاط شارع الرشيد قد بدأ بالنمو بعد تشييد الجسور التي تربط ما بين بغداد الرصافة حيث شارع الرشيد والكرخ. ولن أخوض في تلك التفاصيل المعمارية لان المعماريين هم من يتحدث عنها، لكنني سوف أتحدث عن الجانب المهم لإنقاذ هذا الشارع الذي غدا اليوم شارعا بائسا لا توجد فيه أيه ملامح تجعل منه مركزاً مهماً لاستقطاب السياح والأجانب على الرغم من الحالة الأمنية السيئة التي تعيشها البلاد اليوم. فشارع المتنبي هو مركز ونواة المثقفين العراقيين والعرب الذين بدأوا يتجمعون ويلتقون في كل يوم جمعة للتداول في الشأن الثقافي وحضور الندوات والنشاطات الثقافية، بعد التجوال في الشارع والاستمتاع بالعمارة الدينية البغدادية الجميلة في جامع الأحمدي وجامع الحيدر خانه وغيرها، فضلاً عن ساعة القشلة وديوان الحكومة القديم لتشعر الزائر بطعم بغدادي خاص.
ولعل المتتبع لصور شارع الرشيد في خمسينيات وستينيات القرن الماضي يستطيع أن يقيم من خلال الحدائق الجميلة ونظافة الشارع أن بغداد حاضرة الزمان. كما كان لرواد عمارة الحداثة العالمية والعراقية بصماتهم الحقيقية في هذا الشارع كعمارة فندق "ريجنيت بالاس" للمعماري الراحل محمد مكية عام 1954م، ومبنى "البنك المركزي العراقي" للمعماري "وليم دونكل" عام 1958م، ومبنى مصرف الرافدين للمعماري "فيليب هيرست" إذ اكتمل البناء فيه عام 1965م، ومصرف بغداد للمعماري "كوبر" عام 1954م، ضمن شارع المصارف الذي تفرع من شارع الرشيد في الخمسينيات والذي يسمى عند البغداديين "بشارع السموأل". كما تجدر الإشارة إلى أن شارع الرشيد كان يمثل المركز التجاري الكبير للعراق آنذاك إلى يومنا هذا حيث منطقة الشورجة المعروفة التي تعد من أقدم مراكز التجارة في العاصمة بغداد إلى اليوم، أما الأسواق التي انتشرت في الشارع فقد تعددت واختلفت باختلاف نوع البضائع التي يتخصص بها كل سوق. واليوم ونحن في أمس الحاجة إلى الاهتمام بوجود مركز بغدادي يحمل سمات وخصوصية التراث العراقي البغدادي تحديداً فان الاهتمام بترميم شارع الرشيد بشكل معاصر يحمل سماته البغدادية في وجود الأعمدة والشناشيل والأسواق والأماكن الثقافية والعامة والساحات والحدائق والمقاهي القديمة وضرورة الحفاظ على البيوت التراثية البغدادية التي تعد جزءاً مهماً من سمات هذا الشارع والتي بدأت بالتهدم والزوال للأسف، إننا بحاجة إلى اعمار حقيقي لهذا الشارع التي ارتبط بنكهة بغداد وتاريخها العريق بالاعتماد على الخبراء في الجامعات العراقية وأمانة بغداد واستشارة الخبراء الأجانب وتخصيص جزء من الميزانية العامة للبلاد لتعميره وتجديده وتطويره، كما أتمنى شخصياً أن تسمى الفروع والشوارع الصغيرة المتفرعة من شارع الرشيد بأسماء الأعلام والمثقفين العراقيين آنذاك/ كما هو الحال مع المقاهي الشهيرة فيه، وإعادة الروح إلى الشارع من خلال فتح العديد من المناطق المغلقة فيه وتأمينه بطريقة عصرية من اجل ديمومة الشارع وانتعاشه كما كان سابقاً محدداً بنوع السيارات والعجلات التي تدخل الشارع كجزء من عملية التنظيم والابتعاد عن الاختناقات المروية، كما لابد أن تأخذ الدولة على عاتقها شراء البيوت التراثية القديمة فيه وتعويض أصحابها لتحافظ على هوية بغداد وسماتها الأصيلة وبشكل معاصر وجديد.