ادب وفن

ذائقتنا في خطر نحتاج الى نهضة مسرحية / ستار الناصر

يمكن اعتبار فترة السبعينات هي الفترة الذهبية في مسيرة المسرح العراقي. كانت العروض في تلك الفترة عروضا مسرحية متقدمة ولها خط انساني جميل استطاعت أن تصنع جمهورا واعيا يتجاوب مع طروحات العروض الجميلة التي تنوعت بين نص عراقي يكتبه يوسف العاني أو عادل كاظم أو نورالدين فارس أو محيي الدين زنكنة وغيرهم من كتاب المسرح العراقي ، ونص عالمي يعد. وراح المخرجون العراقيون الكبار يتبارون في خلق فرجة جمالية منقطعة النظير كجاسم العبودي وإبراهيم جلال وسامي عبد الحميد وقاسم محمد وصلاح القصب وعوني كرومي ومحسن العزاوي وسليم الجزائري وغيرهم الكثير، واكتشفوا في رحلتهم هذه ممثلين افذاذا كعبد الجبار كاظم وعبد الستار البصري وسامي قفطان وقائد النعماني وعبد الجبار عاشور وعبد الواحد طه وفوزي مهدي وهاني هاني وعزالدين طابو وزينب وناهده الرماح وزكية خليفة وفاطمة الربيعي ومي جمال وأفراح عباس وهناء محمد.
كما نهضت فيها فرق مسرحية عريقة، منها فرقة الصداقة وفرقة المسرح الشعبي وفرقة المسرح الفني الحديث وفرقة مسرح اليوم وجماعة الستين كرسي فضلا عن فرقة المحافظات التي بلغت اوج عطائها ابان تلك الفترة.
ومازال النقاد يعطون هذه الفترة المهمة في انتاج العروض الرصينة الكثير من بحوثهم ودراساتهم التي تتناول مسيرة المسرح العراقي الطويلة. وهم ينطلقون في طروحاتهم هذه من ان المسرح العراقي كان موفقا في عروضه نصا وإخراجا وتمثيلا وتلقيا، وظلت العروض التي تقدم على مسرح الرشيد أو مسرح بغداد أو مسرح الفرقة القومية القديم في تطور مضطرد حتى سيطرة الديكتاتور المقيت على مقاليد الحكم وزج البلاد في حروب لا أول لها ولا آخر، فانهار صرح المسرح العراقي وتشتت المخرجون والممثلون وكتاب النصوص في المنافي، وانقطع الجمهور الواعي الذي غادر القاعة حين ظهر ما يعرف بالمسرح التجاري الذي افسد الذوق العام وتغير حال من يحضر لمشاهدة مثل هذه العروض التي تجاوزت كل الخطوط الحمر وأساءت إلى تاريخ المسرح العراقي العتيد.
أما المسرحيون الرافضون لهذه الهجمة غير الجمالية فاقتصرت عروضهم على التجريب واتخذوا من منتدى المسرح الكائن في شارع الرشيد وهو بيت جميل كان يسكنه وزير المالية حسقيل ساسون. ليقدموا هناك عروضا ذات انماط خاصة، بمعنى ان جمهورها هم المثقفون وهم انفسهم.
هكذا تطرف المسرح الجاد في متنه الحكائي وصار تهويمات تحتاج الى جمهور من نمط خاص والمسرح التجاري تطرف أيضا بحيث اصبح ملاذا للشباب المراهق الذي يبحث عن سهرة ورقص وخلاعة ونكات ماجنة جدا.
وظل الحال هكذا لا يسر الجمهور المتلهف للعروض الملتزمة بالخط الانساني الجمالي. ولكن ظهر النمط الآخر وهو ما يعرف بالمسرح التعبوي أيام الحرب العراقية الايرانية.
ورغم وجود فسحة واسعة من الحريات اليوم الا ان المسرح ظل يراوح بين العروض المخصصة للمهرجانات المحصورة بجمهور خاص، وبين مسرح تجاري بعروضه الهزيلة.
اليوم نحن بحاجة الى مسرح ملتزم بقضايا الناس، يعبر عن لواعج النفس العراقية التي اتعبتها السلطات التعسفية، وينهض به المسرحيون الشباب، وعلى الدولة اكمال صيانة مسرح الرشيد وهو المسرح الوحيد الذي يصلح للعروض المسرحية ، كذلك مسرح بغداد هذا الصرح الذي شهد أجمل العروض الكبيرة.