ادب وفن

معرض تشكيلي للفنان ساطع هاشم( لابديل غير الجمال ) في قاعة ( بوسك) بلندن / أسامة عبد الكريم

الاستبصارات اللونية تلامس انسانيتنا
اكثر من ست سنوات وانا اتابع الاعمال التشكيلية للفنان ساطع هاشم من خلال عروضه الفردية والجماعية، اكتشفت ان النجاح في عمله الفني نتيجة توسع ثقافته الفنية من خلال الادراك والقدرة على التعبير عنها في نتاجه الابداعي الفني، ومن جانب آخر، لا نجد التباين والمحاكاة في الصورة الذهنية على نطاق انتاج المفاهيم المعاصرة فقط بل قدرته في تحويلها الى الخبرة والتجربة لانجاز العمل الفني خاصة توظيف المخيل الذهني في المنجز التشكيلي البصري، لكي يبدع رؤيته الذاتية التي تخصه وحده، بعيدا عن محاكاة الواقع او تسجيل الملامح الطبيعية، ففي لوحة ( الشمعة المتوهجة، الاكليريك على القماش،٢١٠٦ ) نجد قوة انفعال الشكل التعبيري للمرأة اي يسعى الفنان ساطع الى تغيير مفهوم الشكل ، فهو يظهر كيف تتم معالجة السطوح بخطوط منسابة ـ ظاهرياـ متداخلة مع الالوان معتمد على العفوية والصدفة، وايضا استخدام قوة الروح لكائناته ـ
كمضمون ـ في حالة قريبة الى صوفية معاصرة فيما بينها ، و يحاول الفنان ان يصنع التكوين بين الأشكال الواقعية اي احداث التكامل بين العناصر المختلفة للعمل من خلال اعادة البناء في اللوحة متمثلة بشخصية المرأة المصورة، كشكل جمالي و دلالي يتناسب مع رؤيته الذاتية وقناعته باسلوبه الذي اختاره متجسدا بالخطوط الملونة والمكثفة ،وضربات فرشاة غير ضارة تطغي على اللوحة.

يحدد الفنان ساطع اللوحة المسندية بكل اشكالها وابعادها، فهي بمثابة عملية التناسق بين مكونات العناصر الفنية، فالشكل في لوحته ( الرأس ، الاكليريك على الورق،٢٠١٦ )، يكون اكثر اهمية من الاشكال الاخرى ثم يستخدم ضرباته اللونية وتناغمها والتناسق مع حركة ايقاعها دون اهمال وحدة المكونات الاخرى داخل مساحة اللوحة، من هنا يمكن ان يحدد اهمية المعرض الذي حمل اسم (لا بديل غير الجمال ) لان الفنان ساطع هاشم جزء من الحساسية الجديدة التي تتميز بتوظيف الشكل الغنائي والشاعري للألوان وتخيلية جمالية وفق دلالي فني، لهذا نجد في اعماله الجديدة روحية تختلف عن اعماله السابقة من حيث تركيبات وتوليفات حرة وديناميكية واضحة المعالم كسند وموضوع لتشكيل لوحاته المسندية.

يحضر الفنان ساطع كسارد بصري مطمئن ،لا يقبل بفكرة رسوم مبسطة لتفسر النص الشعري بالرسم التشخيصي ، في حين نرى جانبا من لوحاته التشخيصية الموسومة بالخيال الواسع تضمر في حدود كائناته المتخيلة، فهو يبني اشكاله بقدرة على معالجة خطوطه المنسابة بالالوان على جسد تلك الكائنات بمرونة وشفافية لينقلنا إلى تقبل فنطازيته في كامل مساحة الموضع كتأملات متوازنة مع نسقية التعبير الابداعي ـ الصوري. كما في لوحة ( الشاب/ة دائما في الحب ، اكريلك على الورق،٢٠١٦ ).. الحب هو الذي يحدد إنسانيتنا، الحب الذي يجسده الفنان ساطع في وسط اللوحة هي المرأة ترتدي اللون الاحمر الصارخ، انها ليست محفوظة في وعاء او صندوق للفرجة، بدلا من ذلك تكشف عن لمحات شاعرية ، تتوزع حولها الالوان الراقصة ، تتراكم ، تختلط ، او بعض مزيج من الاثنين يتخلل هذه الخطوط المنسابة والمتقاطعة ليشكل نتيجة العمل الذي يحوم المنال الخيال ،كأنه يدعونا الى كراهية الحروب التي أثقلت كاهل الشباب وحتى الزهور و الحمائم ، نرى من حولها اخضرار اللون تتبدل الارض بالعشب الاخضر والاصفر البراق ، ويصبح شعاع الصباح مستقيماً، وحتى سحابة الصيف تذوب حناناً، فوق صور الظل والضوء حيث يتداخل التنويع الإيقاعي للالوان والخطوط الزرقاء بجو من الرومانسية مع المشهد العام لبناء اللوحة، ليستثمرالفنان ممكنات عناصرالتشكيلية المرجعية منفتحة على امكنة وازمنة واحداث وتجارب ذاتية كحوار بين مخيلته ليؤسس لحظة تجريدية ـ- حسية خلاصة في رؤية استبصارية في جمع مكوناته التشكيلية.

تملي رسومات الفنان ساطع ، باشكال فرضتها طبييعة التركيبية ضمن انسيابية الخطوط والكتل البشرية الملونة شبه مجردة المعالم المنتشرة في فضاءات العمل ، و التي تخاطب العين كدعوة الى مزج الالوان بصريا داخل اللوحة ، فهو ليس سجين التشخيصية يرسمها حيث ميلها لتحقيق الوئام من المحاكاة في الذاكرة، بل خلق تفاعلا وانفعالا ، مستجلبة تداخلات الالوان وتنوعها باعتبارها عنصرا تعبيريا ما يعكس القدرة الابداعية لينمي الاحساس الجمالي عند المشاهد المتذوق الفن، كما في ( حواء .الاكليريك على القماش، ٢٠١٦ ) و ( المهرجان، الاكليريك على القماش،٢٠١٦ ).
ففي لوحته (الرجل في العقد السادس والتسعين بالاحمر، الاكليريك على الورق ، ٢٠١٦)، تظهر الرسوم غير زخرفية ، شبة مجردة، لموديل رجل ، رسمت بخطوط متقاطعة تارة ومتقاربة تارة باللون الاحمر تزين جسده و وخطوط حمراء زاهية ، تغطي مساحة صفراء في الجزء الخلفي من العمل الموديل مستخدما الفنان فرشاة متوسطة العرض، ثم يتم رسم الرأس باللون الازرق المخضر كانه معمول بتقنية الفوتوشوب التي ترتقي الى حالة مشحونة بالتجريد التعبيري، تقريبا عارية بساطته ،في هذه الحالة تبدوعملية الفنان ساطع واضحة يتم طلاء بالالوان الاكليريك كونها تجف بسرعة في كل لون سابق فتصبح الالوان على شكل طبقات هو أكثر عرضة لفتح الالوان على سطح الورق المبلل بالالوان ليخلق تقنية متميزة ، كأنها ذاكرة او انطباعا قويا من الرسم. فنلاحظ داخل شكل الوجه نوعين من الالوان الازرق البني المتصديء ثم يتداخل مع شطر قطريا بواسطة خط متعرج الذي تخلل الاشكال فضاضة على سطح سلسة ناتئة من وراء ورق المرسوم عليه فيظهر للمشاهد على شكل تجاعيد، وايضا هناك تفاعل بين الوحي والغموض كاقناع درامي للون و الاسلوب لبناء الشكل التعبيري، مما يثير الانتباه من قبل المتلقي، كأنه ذاكرة أو انطباعا قويا من الرسم.