ادب وفن

الشاعر عبد الله احمد هوار: قصيدة النثر كسرت تقديس الشكل/ حوار: حسين علي غالب

عبدالله احمد هوار، شاعر عراقي ولد في شمال العراق، في مدينة الموصل 1970، حاصل على شهادة البكالوريوس في الترجمة، ولديه كتاب بعنوان "الجنون" وهو بثلاثة اجزاء نشر منها الجزء الأول.
انطلقت معه من بداياته، سألته:

متى كانت بدايتك؟

بدأت كتابة الشعر منذ مرحلة الدراسة المتوسطة، أي قبل حوالي (28) عاماً، وكانت كتاباتي على شكل قصائد نثرية قصيرة، ولادة الشاعر في العراق لا تحتاج إلى عملية قيصرية، تربته معجونة بالشعر والمطر والنخل وسماؤه مليئة بالصمت الذي يبتكر الكلام.

هناك من زرع الإبداع بداخل كل مبدع، فهل من الممكن أن تذكر لنا اول من دعمك وجعلك تخطو أول خطواتك في مجال الأدب؟

ابتدأت كما يبتدئ أي طير يتعلم الطيران، لا يد تقودني والسماء أوسع من مديات أجنحتي، ابتدأت أتعثر وأكبو وانهض، لكنني ابتدأت، إنها غريزة في النفس تنمو كما ينمو الريش على جلد الطائر، إنني اعتقد أن الشعر وحرفة الأدب مجهود فردي، رغم أني لا أتجاهل ما تقدمه المؤسسات والأفراد في خدمة التجربة الشعرية وتطورها الأفقي والعمودي، الشاعر لا ينتظر هكذا غمام، الشاعر يبتكر آلياته ويهذبها بالقراءة الجادة، كنت أقرأ كل ما تطاله يدي، والآن لا أقرأ الا ما يضيف لتجربتي وفكري.

لديك ديوان شعري واحد، حدثني عنه ..؟

(كتاب الجنون-ج1) هو الجزء المنشور من كتاب الجنون توزيع دار الجمل- المانيا، وهو كتاب يتكون من 27 قصيدة تراوحت وتماوجت أطوالها بين الطويلة والقصيرة، مواضيعها الحياة والموت، الأسئلة التي لا تموت إلا لتلد من جديد أسئلة أخرى بتكاثر انشطاري، ربما الحيرة التي أسكنتنا غربة الأرض جعلتنا نبكي في متون كتابها الغامض العصي.

نراك مواظباً بشكل دائم على نشر دراسات أدبية في الصحف الموصلية تحديدا وبعض المواقع العربية، لماذا اخترت ترجمة الدراسات الأدبية بالتحديد وتجاهلت على سبيل المثال القصائد المكتوبة بالانكليزية والتي هي قريبة منك لأنك شاعر؟، كما أراك مهتما للغاية بالدراسات والأبحاث التي تتعلق بالحداثة ، لماذا ..؟

هو السعي لقراءة الحركة الأدبية العالمية، ونظراً للقصور الواضح في ترجمة هذه الرؤى والأفكار الى العربية، على الشاعر أن يعاصر الحركة الشعرية العالمية، فالشعر حسب رأيي تحول إلى حركة إنسانية عالمية، لاسيما بعد أن أصبح العالم قرية كبيرة، وأصبح من السهولة التواصل مع الآخر - اعني غير العربي، وعلى الشاعر ان يطور حاسته النقدية باستمرار، مضى زمن الشعر بالفطرة، تحول الى صناعة، صار الشاعر صانعا لقصيدته، وان المعرفة بآداب الشعوب الاخرى تعزز من قدرة الشاعر التواصل مع اكبر عدد ممكن من القراء ولا اعني حتماً القارئ العادي، أصبحت للقارئ أيضا مؤهلات واشتراطات ينبغي امتلاكها ليتواصل مع الشاعر، والترجمة تسعفني بقراءة فكر الآخر، وان الدراسات النقدية تشتمل في متونها على قصائد ومقاطع شعرية، أي أنني لم أكن بعيدا عن الشعر في ترجمتي للدراسات النقدية والفكرية، من هنا ينبع اهتمامي بحركة الحداثة وما بعد الحداثة، الفكر الذي نعيشه بسياقاته وتطوراته الفلسفية، ان المعرفة يجب ان تعتمد على الخبرة - حسب كانط وكوني أميل لهذا الطرف، أعني ما بعد الحداثة، انصب اهتمامي على قراءة هذه الرؤية من زوايا رصدها المختلفة.

الشعر النثري أو ما يسميه المختصون القصيدة النثرية، بعد إثبات قوته اللغوية والإبداعية، هل ما زال محاصراً من النقاد الذين يعتبرونه نثراً لا شعراً ويجب تقييد الشعر بوزن وقافية ..؟

الأنواع الأدبية ولاسيما قصيدة النثر في الشعر لا يمكن ولا بمستطاع النقد إلغاؤها وهي تمثل من وجهة نظري على الأقل مستقبلية الشعرية العربية، وان كل مختلف معرض إلى الاتهام الفكري والسياسي والثقافي لا سيما وأنها، أعني قصيدة النثر كسرت تقديس الشكل وتجرأت على خرق بل هدم ثوابته، ورغم ان الكم الهائل الذي يطرح نفسه على المشهد الثقافي ممثلاً عن قصيدة النثر وهو بعيد جداً عن اسلوبية وتقنيات النص الحديث فنجد الكم الكثير الذي يتسم بالمباشرة، في مقابل ذلك ضاع النص الجيد الرصين لدى مبدعين عديدين كتبوا قصيدة النثر عن خلفية ثقافية جادة وعميقة الى جانب ما تنشره الصحف والمجلات ممن يدعون أنهم يمثلون شعرية قصيدة النثر بنصوصهم المنكفئة ذاتياً بشكل يمثل هوساً شعرياً غير مسيطر عليه.
إن الشكل الفني أفق ورؤيا لأفق، والإبداع يكمن في مناخ هذا الأفق، من هنا يكون التمايز ويكون الإبداع، وتعريف الشعر بقاعدته القديمة " كلام موزون مقفى " نقضها على ما اعتقد قدامة بن جعفر والجرجاني وحازم القرطاجني والعسكري والتوحيدي ويعرفه الجاحظ " صياغة من النسيج وجنس من التصوير ". يقول القرطاجني: " من ظن أن كل كلام مقفى موزون شعرٌ فان مثله في ذلك مثل أعمى أَنِس قوماً يلقطون دراً في موضع تشبه حصباؤه الدرَّ في المقدار والهيئة واللمس فجُعل يُعني نفسه في لقط الحصباء على انها درّ..." انني أتطير من كل قيد فالقواعد والمناهج خُلقت لنطمسها وتبقى العبرة بشاعرية الشاعر وبمدى قدرته على الرؤيا والرؤية ولو كان الوزن معياراً لما كانت قصيدة أفضل من أخرى، رغم تشابهما وزنياً. إن أهم مهمة انيطت بالشعر هي الرؤيا التي لا تقود إلا إلى قراءة الأشياء، وأزمة الثقافة العربية تتمركز في رفضها لكل جديد و بخاصة الشعر.

ما رأيك في المشهد الشعري العربي وفي نينوى تحديدا أليس ضعيفا للغاية؟

المشهد الشعري العربي ، وفي نينوى كجزء منه يعاني من عدة اشكالات وزوايا رصد متباينة، ومن جهة أخرى فان الكم الشعري الافقي الذي تشهده الساحة العربية هو كم فوضوي لعدم وجود معيار نقدي يفرز الغث عن الاصيل، فهناك التماعات شعرية في أنحاء الوطن العربي أعدها مغبونة في تقييمها التقييم النقدي السليم، والازمة ليست تتحدد بأزمة النقد الذي أصبح يراوح بين فكيّ المجاملة واغتيال النص بل يبقى في المحصلة النهائية ان النص الجيد يحمل كل مقومات تطاوله وحضوره في المتن المستقبلي والكتابات المضيئة في تاريخنا الأدبي لم تستجد تنظيراً يسوقها، بل انها تعيش فينا عبر جماليات لغتها ونسجها وعلى الشاعر ان ينقد نفسه باستمرار وان يتجاوزها مثلما يتجاوز الحاضر الماضي ويبقى النقد كيفما اتفق ان يكون خادماً للنص وليس سلطة عليه، وإذا قرأنا ازمة الشعر لابد أن نعرج إلى أزمة القراءة، أجد أمام هذه الإشكالية التي نعيشها في عزوف القارئ عن المطالعة إنها نتيجة أسباب وعوامل عديدة تقع في بعض منها على مسؤولية المدرسة والجامعة والاتحادات الأدبية والمنابر الثقافية، من هنا تكون البداية، لكن يبقى ما هو أهم هو أن القارئ في مرحلة الشباب يحتاج إلى من يساعده ويأخذ بيده ليكون من محبي وجماهير القراءة وهذا الشطر يضطلع بتحقيقه النص المكتوب والكتاب المطبوع في حال اخذ المؤلف او كاتب النص مسألة التلقي للآخر بنظر الاعتبار قبل القيام بالكتابة عندها يكون وضع المتلقي على أعتاب ان تكون القراءة جزءاً من وقته وحياته لتكون في المحصلة عادة في حب المطالع والقراءة، وفي الحقيقة هذه اشكالية علاقة المنتج بالمتلقي لم تُحسم ولا يمكن حسمها في صفحة او صفحتين او في استطلاع اراء، المسألة تحتاج الى معالجات بحثية رصينة لا تفرط بالقارئ من جهة وتحتفظ بحق المبدع في تجريب كل جديد وان أزمة التلقي في أن الشعر يتجه إلى أمام بينما المجتمع ثابت أو في نكوص المطلوب من الجماهير هم الذين يصعدون ويجهدون أنفسهم للوصول الى ما يقوله المبدع ومحاولة استيعابه والتفاعل مع نتاجه وان الإحصائيات الصادمة التي تشير إلى قراءة الأوربي معدل 35 كتاباً في السنة والإسرائيلي 40 كتاباً والعرب كل 80 شخصاً يقرؤون كتاباً واحداً. المحصلة تدعونا إلى إعادة قراءة هذه الأزمة والبحث الجاد والشمولي والحيوي وان نعي حجم الخطر الذي يهدد ثقافتنا.

هل يحمل الجيل الجديد أقلاما إبداعية قادرة على خرق المجال العالمي؟

المشهد الثقافي في أغلب الدول العربية ينقسم اليوم قسمين: الأول، هو نتاج وإبداع الأدباء والمثقفين داخل الوطن، وهذا الإبداع من الصعوبة جداً رغم مؤهلاته الوصول الى عتبة العالمية، إلا أن معيقات وكوابح طموحه عديدة فيصبح من غير المتاح ان يتمكن النتاج الإبداعي المحلي من مجاراة الفريق الثاني، الذي هو ثقافة المغتربين والمهاجرين خارج الوطن العربي . فهؤلاء تكون فرص نقل نتاجاتهم الى اللغات الأخرى أسهل مما ليس بإمكان مثقف الداخل الحصول عليه .
أما بعض المفكرين والأدباء العرب الذين يكتبون باللغات الحية الأخرى كالانكليزية والفرنسية والايطالية وغيرها، فهؤلاء لا ينطبق عليهم السؤال في خطهم وتوصيل نتاجاتهم الإبداعية إلى القراء الأجانب قبل العرب، وهؤلاء لا ينطبق عليهم التساؤل في الوصول إلى العالمية.
إن أدب ونتاج الشباب في الشعر والقصة والرواية والفنون التشكيلية لا يزال يعتمد الوصول إلى أعتاب العالمية من خلال علاقات بعيدة جداً عن أصالة وتميز هذه الإبداعات، بل على العكس، يوجد كثير من المبدعين الشباب لا تتاح أمامهم فرص طبع ونشر نتاجاتهم بالعربية فكيف يكون الحال هنا في التفكير بالعالمية.

ما هو جديدك في مجال الكتابة؟

لدي مجموعة شعرية ومقالات نقدية مترجمة تنشر في المجلات والصحف والمواقع العراقية والعربية.