ادب وفن

قراءة في قصائد علي الخفاجي النثرية / علوان السلمان

الشعر عالم الوجل النفسي الناتج عن جماليته وشفافيته ونغميته المتولدة في ألفاظه وتراكيبه.. انه الوعي الذي يعني الموقف الفكري الملتصق بالإنسان عبر منظور واع للإبداع الشعري.. انه امتداد مدروس لمعطيات الزمن وصراعاته.. كون التجربة الشعرية (عملية الحياة والحركة العضوية بأكملها التي تسير في الكون..) كما يقول هربرت ريد..
وقصيدة النثر poerty prose نمط تعبيري يتميز بمعطياته الفنية وتقنياته الشكلية التي تستوعب التجربة والرؤيا بشكل معاصر.. مساير للحركة الحياتية ومتطلباتها.. كونها منظومة شعرية متمردة على الزمن.. وهذا يعني أنها تمتلك القدرة للخروج على الثبات.. وهي تجمع جماليات شكل القصيدة (الصورة والتخييل والرمز والرؤية المكثفة سياقيا وتركيبيا وتوهج اللفظ مع وحدة موضوعية وعمق الرؤيا وشفافيتها)..
إنها نص ذو دلالة مفتوحة محقق للدهشة المتوقعة على الصور والرموز والتوهج اللفظي والتركيبي..وجماليتها تنحصر في التحرر والانطلاق في آفاق اللفظ والتركيب...
والشاعر علي مجبل الخفاجي في نصوصه ينطلق الشعر عنده من الخارج الى الداخل بحكم رؤاه المثقلة بالرفض والاغتراب..
هناك
حيث كان الوقت يتعثر بجثة وطن مهم
كالانسان
والفوانيس ترفع قبعاتها لصراع الدين الايوبي
كي توقظ صلاتك ذات حزن
وتعمد نشيدك بالقيامات
أيها الموشوم بختم البصرة بل بخرابها
فالشاعر يوظف الوجود بطريقة تقارب الهواجس والحالة النفسية.. فيقدم مشاهد تأملية تنسجم والتجربة الشعرية من جانب وتسهم في تنمية المسارات الإيحائية من جانب آخر وهي تسبح في رموزها ودلالاتها التي تنساب في اتجاهات متعددة من اجل كشف الرؤيا والمضامين الموحية.. نتيجة قوة خياله واستجاباته للمحسوسات كمحفزات في عملية الخلق الشعري..والتي تتأتى من مشهديته الصورية التي تتسم بالتكثيف والانسجام.. إذ تتجلى المرئيات عبر آثار حسية تتحدث بمديات الرغبة النفسية والانفعال..
مرحبا بحزنك الخفير
أيها الوطن المشنوق على مرايا الوقت
لك السدانة وحدك والسقاية
ها قد ظل صوتك يترجل من دمعك
بلادي ياسرة العالم وفوهته
تعاليت ايها الوطن الدهري
كما اندلعت أضرحة في رواق المتعبين
أيها الوطن الذي دخنتك المراثي
سلام لجودك تشيخ.......المياه
سلام لخطوك حيث لا احد.......هناك
فالنص ينطلق بسردية فنية وجمالية عبر مكوناته.. إذ الاستغراق في تصوير الجزئيات والتركيز على المفارقة.. كونه حالة وجدانية وفكرية تنبعث مضامينها لتحقيق قيمة جمالية من خلال رفع الكلام الى مستويات قوامها الرمز الإيحائي الذي يخلق دلالات ومناخات نفسية توسع القدرات التخييلية.. والتي فيها تصبح الذات هي بؤرة الشاعر التي تنجذب صوبها الأضواء من خلال الاضاءات الفنية والجمالية والايحاءات التي تنطوي على دلالات متميزة بعمقها والتي تكشف عن أزمة الذات والموضوع..
إن فاعلية التتابع الصوري عند الشاعر تنبع من معطيات واقعية لتقدم اضاءات جمالية بإيحاءات تنطوي على دلالات غنية بفنيتها البنائية ومضموناتها الإنسانية..
أما إيقاع قصائده فهو داخلي متحقق من خلال الموازنات الصوتية المتمثلة في التكرار الذي يهدف إلى تعميق المعنى.. كونه يمثل احد الركائز التي تحقق التجاذب عبر مستويات فنية متمثلة في المستوى الصوتي واللفظي والجملي.. إضافة إلى علامات الترقيم التي احتلت مساحتها وهي تؤثث الفضاء المشهدي جماليا باعتبارها تقوم بدور تنظيمي للغة من خلال الفصل بين الألفاظ والجمل..
(عادة قف) لتحص الجنائز
يا مشجب النهايات وسكين العالم
هذي ظهيرتك المنورة بالألم
وهؤلاء أبناؤك الكارهون
لحسوا............. الحياة
وأضرموا الأعياد
وباركوا الأسلحة
فالشاعر يعمد إلى تحطيم البناء المشهدي كي يمنح نصه قدرا من الحرية في التعامل مع بياض الورقة التي تحمل الخطاب الشعري.. وهو يعبر عن المواقف الزئبقية التي تشكل العلاقة بين الأنا والآخر.. عبر لغة شاعرة تشكل جوهر الشعر الذي يتجلى في انه نتاج الشعور.. كونها لغة مكتنزة ومركزة.. تعد أداة لتحريك الحس الجمعي.. لغة عصر مليء بالتناقضات تقوم على عنصري الخيال الذي تترفع فيه على الواقع فتصبح هلامية تدخل النفس وتؤثر.. وتمتلك جمالها الفني المتمثل باختيار الجماليات البلاغية التي تحيط بنسيج العمق الروحي للنص.. من اجل خلق الصورة الشعرية التي تتأتى من قوة خياله وتوظيف مجازاته المتناغمة وكثافة العبارة وانسجام اللفظ..
كان.... وحده
بوجهه البدوي
يثقب الهناءات بطعنته الوارفة
ها.... قد جاء العريف ليحصي الجنائز
وهي تراقبه وتجثوا امام محنتها كالقمر الجريح
والحبر الأعظم ينقش موتنا على جلود الماشية
فالشاعر يرسم لوحاته المشهدية المشحونة بتموجات الذات وهمومها من اجل ديمومة العزف على لحظات حركية الحواس وتناغماتها المنسابة مع إيحاء اللحظة الشعرية.. واهتمام بالجانب الدلالي لتشكيل النص.. كونه يخلق الجمالية الفنية مع مبالغة متأصلة في النص بسبب انزياحاته عن الواقع.. والتي خلقت صورة مكثفة تتسم بكونها حية تستقي وجودها من مضامينه الوجدانية والفكرية ومحيطه وعصره.. لذا فهي تشير إلى صدق التجربة التي مكنتها من استقصاء الجوانب البنائية والتعبيرية والفنية.. مع حيوية تتأتى من خيالاته اللامتناهية واتساع رؤاه..