ادب وفن

شاعرة عراقية في لندن / د. صباح جمال الدين – لندن

في إحصائية أولية لرغبات الطلبة العراقيين في دراساتهم في المهجر ، في لندن بصورة خاصة أراني صديق أن الجيل الثاني من العراقيين ، أي جيل أحفادي ، قد اختار الدراسات الطبية غالباً ، وأخبرني قائلا : إنك نادراً ما تجد عائلة عراقية في لندن إلا وفيها طبيب أو طبيبة أو أكثر! إما العوائل من الجيل الاول ممن درسوا وتخرجوا من كليات الطب العراقية، فأغلب هؤلاء بلغ درجة عالية من الإختصاص، بل أن أغلبهم من الاطباء الاستشاريين في فروع اختصاصهم، حتى شاع في بريطانيا سمعة الطبيب العراقي الطيبة! ولما سألت الصديق الذي أجرى الاحصائية، سؤالاً لم يخطر على بال كل من عرف العراقيين على مدى التاريخ : هل هناك في الاحصائية من "شاعر" بمستوى الأطباء من الاجيال الجديدة ؟
إبتسم صاحبي ساهماً وقال: لم أجد الا فتاة عراقية واحدة ، جاءت مع أهلها وهي دون التاسعة من العمر ، وكانت قد ولدت في البصرة، ولم تكمل سنتها الاولى، أضطر اهلها الى الهجرة الى اليمن إيام "الصنم"، واليمن كالعراق بلد الشعر والشعراء ، ومن ظريف ما سمعت أثناء عملي في سلطنة عمان، أن لجن الشعر العربي ثلاث مدن أو عواصم ، هنَّ: البصرة وعدن وبهلاء "مدينة الجن في السلطنة"، أذن لا عجب أن أجد شاعرة ولدت ونشأت في عاصمتين من عواصم الجن! ولكن أن يعرف الجن العرب الشعر "بالإنجليزية" فهذا ما لم يخطر ببالي ؟!
فلما سألت عن اسمها، واذا بها ابنة صديق عزيز ، ومناضل من الطليعة الاولى من البصريين الذين ضحوا بالغالي والنفيس فداءً للعراق وشعبه ، قضى فترة ليست بقصيرة من عمره في السجون ، انه الاخ الدكتور عباس الفياض ، وفي نادي كامدن لكبار السن أخذت نسخة من ديوان حنان من والدتها، ويا لروعة ما رأيت :
الديوان بعنوان (Heart) قدمه واحد من شعراء بريطانيا المعروفين (Simon Banks) وقد أثنى على الشاعرة حنان عباس الفياض وديوانها وشعرها بما تستحق ويستحق وطنها، بلد الشعر والشعراء ، مررت على الديوان مرات ، وكلما أعدت قراءة القصائد ، تذكرت ما قاله اساتذتنا عن "السهل الممتنع"، الأغرب هو رائحة البصرة وشط العرب بين قصائدها، وهي لم تر البصرة ولا عشارها ، رأيت نخيل البصرة عبر الصور الشعرية ، وذقت حلاوة تمرها في إبيات الحب ، ولما أردت أن أترجم مقاطع من شعرها تذكرت دجاجتنا في منطقة "الخندك"، كانت المرحومة الوالدة تضع خليطاً من بيض الدجاج و"البشوش" الملقح تحت الدجاجة، فإذا فقست البيوض أخذت الدجاجة الأم فراخها كلهم عبر الطريق الترابي بمحاذاة نهر الخندق ، ولكن ما أن تصل النهر تهجم فراخها "البشوش" في الساقية وتسعى الدجاجة الأم بقلق وانفعال، وهم يلعبون غير آبهين بأمهم وصراخها ، أحسست إني بموقف تلك الدجاجة الأم ، أنظر الى "ابنتي البشة" وهي تسبح في نهر الأدب الانجليزي ، وبالكاد أن أخوض في ساحلها لأترجم لك عزيزي القارئ، من ديوانها ذي المائة صفحة ، "قصيدة العدم":
أوراق يابسة بين يديك ...
ميتة بين يديك ...
تحطمت في خريفك ...
أنثرني بعيداً عنك ...
فربما أكون هباءً ...
فالعدم يتوق الى العدم
تحكي قصة الألم العراقي، بإشارات حزينة، قصتي وقصة إبيها والعراقيين الذين غادروا الوطن مكرهين، بعد سنوات العذاب فيه ، الى هذه الحياة ... التي تمنعهم من التضحيات للوطن ، وهذا هو العدم ، ترى وطنك يغرق وأنت واقف عاجز أن تقدم أي شيء لإنقاذه ، بل أن حال دجاجتنا وفراخها ايسر من حالنا لأن فراخها "البشوش" يعرفون العوم .
يذكر أن الديوان من مطبوعات شركة أمازون الالكترونية وريع البيع يذهب الى دعم أطفال العراق.