ادب وفن

شاكر السماوي..محاولات في تجريب قصيدة نثر شعبية / ريسان الخزعلي

( 1 )
*.. الشاعر /شاكر السماوي/ كان متابعاً جاداً لكل التحولات الشعرية التي تحصل، سواء كان ذلك في المشهد الشعري العراقي او العربي بصورة عامة، ويحاول تجريب وتطويع هذه التحولات في شعره الشعبي، طموحاً في توليد قصيدة شعبية جديدة توازي مثيلاتها في الفصحى، وكان يعتمد منهجاً تثقيفياً ذاتياً واسعاً في القراءة، القراءة المنتجة، مما يمكنه الاطلاع الواسع على كافة الفنون الشعرية/ الابداعية، كما ان اجادته للغة الانكليزية، ساعدته كثيراً على قراءة بعض النتاج الابداعي العالمي بهذه اللغة. وله من العلاقات الواسعة مع الوسط الادبي والثقافي عامة، جعلته في دائرة علاقات حوارية وجدلية، منصتاً ومعقباً وموثقاً.
( 2 )
*.. في السبعينيات، كانت رياح قصيدة النثر قد لفحت الشعرية العراقية بنارها، وابتدأت نماذجها تأخذ طريقها بوضوح الى النشر والقراءة، وقد تهيأ لها مناخ من القبول والتلقي والتذوق، بعد ان كانت النقاشات محتدمة حول هذا الشكل الشعري الجديد. وضمن هذا المناخ، واتساع الظاهرة، ودخول بعض الاصدارات العربية الى المكتبة العراقية، إضافة الى بعض اصدارات الشعراء العراقيين، وهي اصدارات اعتمدت شكل قصيدة النثر، جزءاً او كلاً، حاول الشاعر السماوي تجريب هذا الشكل في شعره الشعبي بسرية، تحسباً لاقتطاف السبق كما كان يعتقد. ورغم ان بعض الشطرات الشعبية النثرية متوافرة في بعض قصائده، الا ان هذا البعض لا يشير الى تأسيس الشكل الكامل، وكان يحصل لضرورات فنية يتطلبها الحوار في عدد من قصائده.
( 3 )
*.. جرّب الشاعر ان يكتب قصيدة نثر شعبية مرتين. الاولى، في مقطع من قصيدته (7 بوسترات شعرية الشيلي) مجموعة /نعم أنا يساري/(1).. البوستر الرابع (الراعي والأميرة)..، وقد سبق وإن نُشرت هذه القصيدة كاملة في "طريق الشعب" في السبعينيات..، الا انه وبعد الاستهلال لم يستطع الاستمرار، حيث تسلل الوزن والايقاع والتقفية وكل عناصر البناء الشعري الى هذا المقطع، وبذلك عجزت هذه المحاولة التجريبية عن أن تكون قصيدة نثر، وعادت سريعاً الى قصيدة الشعر.
*.. عمتي چانت تسولف..
راعي ..
چان ..
إمحمد ..
إسمه
عشگته اعيون الأميره.
او چانت الشباچ بعيونه او ضميره
. . . ،
عاندتهم ..
هيّ منطيها گلبها الگلب هالراعي..،
او تظل ..
تحلم ..
ابنايه او حصيره.
*.. أما المحاولة التجريبية الثانية، فكانت بعنوان (اثنين بين الفاصل والرغبة) والمنشورة في مجموعته /تقاسيم/(2)..، فقد كُتبت كاملة بشكل قصيدة النثر:
*.. اثنين
عشاگ إثنين
عشاگ اثنين إمن ارماد
ابكل مغرب.. من تطفه الشمس
من تطفه الناس، من تطفه الهواجس
يشعّون اثنين.. عشاگ إثنين من ضوه
وابسبب دمهم – الضوه..،
يظل الحرمان فاصل بين الرغبه والرغبه
- - - - -
ايفيض بيهم العشگ سيل من ضوه،
يحديهم، يحدي ادروبهم، يفترهم المكان،
تفترهم الثواني، تفترهم الذكريات، وايهيمون
اثنين، عشاگ اثنين من حلم.
وابسبب همسهم – الضوه، ايظل الوجدان
فاصل مزمن بين الرغبه والرغبه.
- - - - -
ايطوف بيهم الحلم سيل من ضوه
يغسلهم، يغسل اگلوبهم. يتلامسون ابلا
لمس، يتشابگون إبلا لمس، يتذاوبون ابلا
لمس، وايسافرون اثنين، عشاگ اثنين
من همس، وابسبب حسهم – الضوه
ايظل الانسان فاصل بين الرغبه والرغبه
- - - - -
وابكل فخر، إمن اتوج الناس، إمن اتوج الهواجس
ايطيح إخيالهم طين، كل سچه ابظلامه إتسيح
او يحديهم ضواهم إعله الريح.
إثنين.. عشاگ إثنين إمن إرماد.
29/12/1972
( 4 )
*.. وحتى هذا النموذج، السابق، لا يستطيع ان يقدم شكلاً متكاملاً لقصيدة نثر شعبية، وبقي في حدوده التجريبية الأولى ويبدو ان الشاعر قد أدرك الاشكالية التوليدية في صعوبة ايجاد قصيدة نثر شعبية.
*.. ان قصيدة النثر عندما تكتب بالشعبي، ستتحول الى حكاية (سالفة)..، وستتلاشى او تنعدم الضرورات الفنية/ الجمالية التي يقوم عليها بناء الشعر الشعبي الحديث، كما ان في اللهجة من مقومات، غير ما في اللغة من مقومات تلائم كتابة النثر عموماً، والشعر، بشكل قصيدة النثر تحديداً. وهكذا بقيت محاولات السماوي التجريبية في كتابة قصيدة نثر شعبية، محاطة بسريتها، وعدم تقدمها الى أمام.
إن محاولة السماوي هذه، لا يمكن تفسيرها، إلا كونها تطلعاً الى التجديد، والتماهي والتأسيس والتوازي مع تحولات الشعرية بالفصحى، وتسجل السبق/ الذي لم يتحقق. انها محاولة في التجريب الشعري لا غير، وما كان لها ان تصطف مع ما أحدثه من تجديد في مسار الشعر الشعبي العراقي، رغم انه أراد لها ان تكون من جماليات تجديده.
المصادر :
(1) نعم أنا يساري.. شاكر السماوي، شعر شعبي عراقي، السويد 1999.
(2) تقاسيم.. شاكر السماوي، شعر شعبي عراقي، دار الاهالي للطبع والنشر والتوزيع، دمشق 1989.