ادب وفن

قوة المهمل وبراءته القامع ومحمولاته الشاطبة .. القسم الثاني .. / حميد حسن جعفر

لقد كان الموت عبر التنور. الزندقة والطاموريات هي مجموعة العصي التي تملكها سلطات الثابت من أجل القضاء على المعارضة آنذاك على مستوى الدولة.

لقد كانت حركات التمرد والعصيان تمثل مساحات واسعة من السلطة السياسية وكذلك الحال على المستوى الثقافي عامة والأدب خاصة.
فقد ظهرت العديد من الثورات كالزنج مثلاً والانتفاضات التي لم يتم القضاء عليها وتصنيفها عبر الحوار والنقاشات، بل عبر استخدام الجنود المنتظمين. هذه الحركات التي كثيراً ما تستند على أفكار تنتسب إلى الأقليات القومية والدينية.
إن الفكر الديني الرسمي للدولة أو الإمارة أو السلطنة بكل أنواعه سواء كان أرضياً أو سماوياً لأن الشكل الإداري للكيان السياسي الذي يسير أمور المواطنين لا بد له من أن يتخذ من الدين وقدسياته أقنعة باستطاعتها أن تخفي عيوبه ومثالبه وأخطاءه وتجاوزاته واستبداده. إن فكر الدولة الديني هو غير فكر المواطنين الديني.
فكر الدولة الديني يعتبر الخلفية أو السلطان أو الأمير بل وحتى رب العائلة صاحب سلطتين الدينية والدنيوية وبذلك سوف يجد القارئ إن القمع الذي يدفع بالخلفية إلى تدمير الآخر سوف يكون مستنداً إلى فتاوى رجالات الفكر الديني المنشئ لأفكار الخلفية الدينية والتي تعتمد بالأساس على عدم إجازة الخروج على طوع الخليفة وإن كان ظالماً. وبالتالي فإن الخارج على قانون الدولة/ قانون السلطان يعتبر خارجاً على قوانين مقدسة.
*
إن تجارب في الكتابة والتفكير تنتمي إلى معارضة السائد كانت من الممكن أن تصنع حالات من المغايرة.
لقد كانت هناك تجارب الثورات الاجتماعية ((طبقية عرقية فكرية دينية)) والتجارب المضادة في الكتابة.
ترجمة كليلة ودمنة / المقامات/ البند/ ألف ليلة وليلة ، وتجارب أخرى كثيرة ، لم تستطع هذه التجارب أن تجد من يأخذ بيدها. سواء على مستوى الأفراد أو المجتمع. لم تجدْ لها حاضنة. لتشكل مردودات كتابية مماثلة، لتتسع مساحة التأثير ولتزداد قوة الرفض.
لذلك أصبحت الأشكال السابقة تجارب يتيمة رغم أنها تنتمي إلى الكثير من الإبداع والمغايرة..
وكذلك تعتبر تجربة البحث عن الآخر عبر الترجمة تجربة استطاعت أن تؤكد قوة المعرفة في جسد الثقافة في انتشال المجتمع من الركود الثقافي. وكذلك على قوة قانون التأثير والتأثر.
لقد استطاعت الفلسفة اليونانية مثلاً أن توفر هزّات ثقافية تنويرية في مفاصل الدولة آنذاك . وليصحو العقل العربي والإسلامي على طرق تفكير مختلفة وعلى ملامح لحيوات لم تمارس من قبل.
إلا أن قوة الجندي التابع للدولة/ للخلافة كانت أقوى من المفكر والأدب والمترجم.
*
وبالتالي فإن المهمل الذي يقف أو يتحرك خارج سياقات المشاع أو المتعارف عليه قد يجئ معلمنا عن نفسه على شكل ممارسات مكفولة على الورق ولكنها مقموعة على أرض الواقع عند لحظة التطبيق.
مما يدفع بالمختلف أفراداً وجماعات. أفكاراً أو أحزاباً وتجمعات ومنجزات إبداعية إلى أن تقف خلف سواه وأن تتماهى خلف أشكال لا تنتمي إليها بل وكثيراً ما تتعارض هذه الأشكال البديلة مع المختلف ذاته.
إن قمع الدولة والمجتمع ((دين وممارسات رجالات الدولة (الخليفة/ القضاة/ الشرطة) المحتمين بالفكر المؤسساتي. وليس بالفكر الديني للمواطن المحكوم هذه الممارسات دفعت بالآخر/ المهمل إلى الوقوف خلف مسميات وعلامات ولافتات أخرى. غير التي يرعاها أو يؤمن بها.
ومن أجل أن تتمكن قوانين وأنظمة القمع والشطب، تعمل السلطات على أن تتعكز على حماية المجتمع وأنظمة الدولة ومقدسها. والحفاظ على وحدة البلاد ومن يتربص بها وبالتالي فمن الممكن أن تجد لها الكثير من المبررات التي تتيح لها وتبيح كذلك أن تسلك طرقاً غير متزنةٍ تعتمدُ الإقصاء مما يدفع بالمهمل بالمقابل إلى أن يشتغل على صناعة التماهي. والاختباء خلف واجهات قد تكون مسموح بها. من أجل بث أفكارها وأحلامها في صناعة مساحة تدافع عنها. وتعيش وسطها بعيداً عن حروب الدولة ومحارقها.