ادب وفن

الام العراقية في اشعار مظفرالنواب : حسن الشموس أنموذجا / احسان احمد حسون

لم يترك لنا النواب منفذا من منافذ هذه الحياة إلا وسلط عليه ضوءا كاشفا يخرجه من دائرتي الزمان والمكان الى حيث المديات والفضاءات الواسعة بنصوص لا تحتاج الى مجادلة أوتأويل تاركا ومبعدا لغة الأيحاء والترميز وجامعا في نفس الوقت الدال والمدلول بلغة سلسة جدا وغالبا ماتكون حروف كلماتها حادة ومدببة تقض مضاجع منغصي هذه الحياة. فكما الوطن والثورة وهموم هذا الشعب المبتلى ومرورا بما أثراه شعرا لقضايا العرب الساخنة سلط هذا المتصوف الرهيب فيضا من تجلياته باتجاه المرأة فكان ما كان لها من قصائد رائعة فيها من الجمال الباذخ مايجعلها تقطر شهدا في افواه متذوقي ومحبي اشعاره الجميلة.. وفي هاذا الاتجاه خص هذا البدع شريحة وافية من النساء الأمهات اللائي فقدن قرات عيونهن قتلا وسجنا وتشريدا بقصائد سوف لن ينساها الكثير من العراقيين بعد ان رسخت في تلافيف ذاكرتهم الجمعية فصرخات الأم (يبني ضلعك من رجيته.. الضلعي جبرته وبنيته) في قصيدة البراءة الشهيرة مازالت تدوي وكأنها صرخات أنطلقت قبل ساعة من الأن رغم أن هذا المبدع كان قد كتبها قبل حوالي خمسة عقود خلت.. ولكن تبقى قصيدته الملحمة (حسن الشموس) هي القصيدة الأروع في هذا المضمار والتي يمكن وصفها بلا مبالغة أومغالاة بأنها ملحمة صاعقة من الشعر التراجيدي الذي يدمي قلوب أوسخ الجلادين رغم ما شاب هذه القصيدة من ظروف ساهمت أو أدت الى عدم إنتشارها شعبيا مثلما كان ديدن أشعاره التي ملأت الأفاق ومهما تعددت أسباب ذلك فأن هذه القصيده قد جسدت أبهى صورة للأم العراقية التي ضربت لنا أروع الأمثلة لمعاني الجرأة والشجاعة والهمة بعد أن انتفضت هذه الام على عوادي زمانها من وهن وشيخوخة لتهيم وحيدة في متاهات الهور حيث غابات القصب والبردي لتشق النفس باحثة عن جثة إبنها الذي أستشهد دفاعا عن معتقداته بعدما أنخرط مع رفاقه الاخرين متخذا من الكفاح المسلح وسيلة وطريقا يواجه به اعداء الحرية والحياة.. وأذا كان هوميروس قد خلد للأغريق ملاحم تاريخهم في إلياذته الشهيرة.. فالنواب برائعة (حسن الشموس) هو الذي خلد للعراقيين تاريخ مرحلة كان الدم الطهورهو مدادها وبهذا سوف لن نجانب الحقيقة أن أعتبرنا هذه القصيدة هي إلياذة العراقيين التي سطرها النواب من لدن حقائق ووقائع أصبحت جزءا لا ينفصم عن تاريخ العراق الحديث.. وقد أستهل النواب مقدمة قصيدته بلسان حال الأم التي قررت بأن لا تدع جثة ولدها الشهيد مرمية لحالها في أعماق الهور دون مواساة أو حضور يليق بنهاية هكذا بطل إضافة الى مايقتضيه واجب الأمومة كونها أما لهذا البطل حيث تقول:
أطرن هورهم... حـگ.. وفلعهن عليك جروح
يجحلن.. جالمطبجات الزرگ.. صلهن يشوغ الروح
وجيك شراع ما هو شراع... عريانه سفينة نوح... عريانه سفينة نوح
وبعد هذا الاستهلال الذي تفوح منه رائحة الحزن الجنوبي المرير تناجي هذه الأم فلذة كبدها مقدمة له أسمى آيات الأعتذار إن هي قصرت أو تأخرت في إدراكه لتقف أمام جثته المعفرة بدماء الرجولة الزاكي متحدية وهنها وكبر سنها مع ما رافق هذا المشهد الحزين من جو شتائي قارص حيث يقول النواب عن لسانها:
أحس شاه ما بياش يبني..مجحلة يبني ويجيني من الرضاعة الحيل
ومووش امك وجلن حملك مگابل أنگله وشيل أشيلك شيل
أكابر.. وانه اطر الهور وعدل ظهري للشمات چني مگابل وي الريل
أصدن لليصد ليّ بشماته وفوگ اشيلن بيرغ الدفنه عمد للتيل
گله.. ولاشماتة عدو يتشمشم خبر موتك... بصرايف ليل
يا زين الذي بطرواگ.. دلتنه الجبيره تگوم للخطار.. مهره من بنات كحيل
نجمته عزيزه أدگ.. غمامة ليل وتشگ اللهب.. لنه بغمامة هيل
يا شبة وسط بيتي... ألتشيل السگف والخطار والبيه الثجيله والبرانو شيل
چن ظلمة مچانك يبني بالديوان.. والوحشات يدبچن بالضماير حيل
چن عينك مرارة كوسج يعارك بحر يبني وخبر موتك نهاية سيل...
وبعد فيض هذه المناجاة الغارقة بالحزن تصل هذه الام المفجوعه الى قلب الهور الذي لا تلوح به إلا وحدانيتها وغابات القصب الممتد وصمتا رهيبا يلف الزمان والمكان يصف النواب بلسان هذه الام صورة هذا المشهد الجنائزي الرهيب بوصف تقشعر له الابدان حيث يقول عن لسانها
هوره... يبني هوره وكل گصبهه يخرخش لموتك... وروحي وي الچبايش جنه تتكلكل
چباشه وراحت وي الليل تتراكس وراك مراكس وتثكل
چباشه مفلشه يذبني عليك الزود عظم سويدي عيب اعطل
يمن جبت الحزب لبويتنه معگل
والتمن سواليف السلف كله تسولفله وتعافت بيه خبزتنه
وچثير دلال گامت نارهه لعطات دلتنه
وچثيرحگوگ حزمهه الحزب لليل تفاگه وتنومس ماي مدتنه
وتفايض مسچ بالعتبه وتشگگ ورد من داير ردسته وفوگ شبتنه
وتساندنه متن يسند متن ومتونه المتنه
ولامرت ليالي بغير گمره الگمره گمرتنه.. الشمس كله شمسنه ونجمة الصبحيه نجمتنه
وجت نسمه وغفت بالبردي لنواطير ولنه الريح طرتنه.. حسافه انجفت دلتنه
اوتكلكل بيت المعازيب ياكل الحسافه مشردين أبشمس ديرتنه
وبعد ان تسترسل هذه الأم في مناجاتها بمقاطع يطول ذكرها تتوجه هذه الأم بمناجاة رفاق ولدها حيث تقول:
النشامه.. الما تساوم على حگ إظفر... وننطي ارواحنه الكل طيب الم
إخذ ليل اليضوي سيوف ومن سيوفنه يگطر صبح أخضر
وگلك يبني يمشكر.. تدوهل حشه گدرك كل حكم أگبل على المعبر
تدوهل واحنه بس احنه أهلهه علزلگ نگدر.. تدوهل والفلح جابته يضحك يبچي للمحشر
بلايا الفلح ما تطلع شمس زينه ولاهو الغيم يتمطر.. جزيره بغير شد حزام وصف رصاص ما تنطر
لون ثارات من ثارات حگ ودم وراهن ليل ومساهر... وراهم ليلتن ليله وزغيرحسابه بموزر
يحزب حسين ما تنساش حگنه وحگ المناطر... تراهو زماطنه بزيجك إخذهه مناحر مناحر
وحگ عيناك مامش عجروح حساب ولا نهوه.. وحگ عيناك يلتسوه الگباحه وتسوه ما تسوه.. تفگ وبغيردش وشد حزم ورداس ما نهوى.. خذوه ابگوه عينك عينك استافيهه بالگوه... (يحزب حسين) بس منك علامه نسج عليهم سج... ندجهم حيل بالدم دج... وهلابه بزلمتن... مارخه للشدات وترجرج!!! (حسين احمد الرضي)
وبعد هذه السمفونية الشعرية الرائعة توجه هذه الأم صرخاتها نادبة من يستطيع أن يرشدها الى حيث جثة ولدها بعد أن شقت النفس بحثا عنه دون نتيجة فيقول النواب عن لسانها..
هلابه...هلابه بليدليني لحفرتك يومه يبني وحني الطين
وحط ترابك بحضني ولولي بريه مرديه وخلك عشرين
وصيرن في إلك يبني....وجلجل مثل ماتينة ربيع أثمر زهرهه بگلب البساتين
جلاي الحصو الأبيض يهلهل روج ويزهلل
لشيل ترابك إعلراس....لبيوت الگصب.. للغاكه والغرنوك ونهلهل
هله وليدي!! وهله وليدي الضوت بيه الچباشه الظلمه والمنزل
وهله وليدي وحطلك ماي وكسرلك شمس وبچي بشليلك سل!!
وگلك يبني تجيلي الدهر وياي متبدل....
ومزويه.. بزوية البيت.. لازمر اليگعد الروح ولدلال التشيل الراس!!
چا وين المعگل...اليدوف الخبزه بالنوماس وين اللي تگص الراس صيحاتة ويحني الچف المفطر
چا وين أخو زينب المنذور للشدات.. چا هيّه غدت كلـش ولا خنجر
سنطه الدنيه لا بيرغ يرف بيه ولا زمر أتفگه بشر..
وبعد هذه المقاطع المعبرة عن لهفة هذه الأم وعجزها عن الوصول الى مبتغاها تلجأ الى لغة العتاب الصارخ بوجه من تخاذل اولا وبوجه السلطة التي أستباحت دماء الناس ثانيا فتقول...
وچن (الگصر الابيض) بالرخاوه يحيض!! (الامن العامة سابقا)
ألوليلك.. ألوليلك وگلك يبني شكه عريض... شكه عريض
وزان وفلته وگامت الدنيه نجاسه تفيض
وصلخ أبلحم الحي وصيحن والده وجيتك بعرف الثار!!!
طلابة دول يبني إجينالك حگ بحگ نار بنار
وزلام التساوم حف شواربه الشعب وشوارب الثوار للثوار!!!
چا هو لعب دم الشعب يبني.. چا هو الشرف شكلين جاوبني!!!
صفت يبني اللي جاتل حگ ألّ وحنه بحلگنه الدم ومامش حگ
صفت..كله اتداوه بضرگة الكلك
وصفت زيزايه هيمه وها يلن صاحبنه المعگل على كحيله... يسوگ الغيم ذيل حصانه المحومر
ولگصيبه شمس والحافر حجل والگذله شيلة ضي... رد الماي للهوره,, ورجع حمريهه يتلاعب لعب... والتفگ
خزامة ذهب بخشومه وگمره وصهيل كحيل!!
وهلهلن... يا تفگ زرگات روسيات وخبطن أول الريح بتواليه... وشخطن ليل
هلهلن والدلال ترد لهله وشعر المعرسة شليلة هيل..!
هلهلن ونصعد الهلال إعله الفشگ گبل السهر غصبن!!
وهنا وفي لحظات الأنفعال الشديد توجه الكلام مباشرة الى ولدها وتندبه بأسمه قائلة..
وتاخذني بهواك الروح... وطرن هوره مصكك وفلعهن عليك جروح
حسن يبني حسن... جبنه عروسك يا حسن خبزة دهن حلوه
الشمس صاغت خشله ودگت النجمه نفسه بطارف الغطوه
حسن يبني بجاه هلال وكل نكدة گلب... أدموعه تخور سلك بهدوه
غدن فضه...أصابعهه ومعاضدهه ومشطهه وثوب دخلتهه...شگللهه الدمع سلوه!!!
وبعد مقاطع يطول ذكرها تصل لتقول...
مترادي الوكت والزاد... زاد أنذال
لون دگت دول... بال
وستافه الوعد يومه وليالي الثار من دون الليالي طوال
هلبت يلسمعت الشعب گلت يزلزل الزلزال
هلبت يا حسن ونرد لهلنه ونذبح العرسك حلال اهلك وكف طيور
هلبت يا حسن.. نعشگ محنه وجبير وشايلاته الحور
هلبت يا حسن.. نعشگ أتسلم عليه الشمس وزمور التفگ والطبگه والكارور
وگلك يبني يمغرب.. عليك الله أنبطيت بديرة الغربه تراه الوكت مو طيب
عليك الله وترانه الوالده وماليش غيرك يا حسن وعتب
أخافن ذاك المعگل يمر بينه ويندهك توگف بصدر العدو ترهب
وخافن يوگف الهور أعله حيله وتنشد الموزر على ابني الزين المعزب!!
وكل گذله رباة الليل... مفجوعه... ومسچهه بدمك يلهلب
يگول الشافه... نخل الباديه أبطرگ إسعفات اللب وممشانه ثجيل أمكابر مكابر..مراكب والسفينه الزينه ليجدام وتهلهل
لون دگت دول يسحگه شعب الهورچي ضيمه چبير وگلبه صاير سل
اطرن هوره وكل ساعه اگول اثور. .واگولن ما يطح گبرك ولا حطو عليه ناطور
أگولن على الساعه ويلهج الشاجور.. والمعگل فضي خلگه ويعرف شلون يعلفهه وعليهه يدور
وها هذا وعدهه ولنه صيحت حگ وها طرت الفجر لنه بيان اول ومطر اللوز
ووصلك واگلك يبني يا مذبوح... يا مذبوح.. جرج الثار هود ألاّ جرح الروح
وشراعي يدگ شراع حزبك للحويزه.. للفلح للناس كلهه نروح