ادب وفن

السرد الممتع في قطاف مر / منتهى عمران

"تحاصرني الأحداث والصور والذكريات المرة وأصوات من رحلوا دون ذكر، تتزاحم تريد أن تخرج إلى العلن حتى الذي لا يصلح أن ينشر يريد الخروج لأنه ذات يوم كان نبضا".
هذا مقطع من رواية "قطاف مر" للقاص والروائي عيسى عبد الملك ونستطيع أن نتبين من المقطع ومن عنوان الرواية أن الكاتب لجأ إلى الأسلوب الروائي في سرد مذكراته وسيرة حياته الشخصية فجعل منها رواية تحمل بين طياتها حكايات وأحداث مرت بالشخصيات الرئيسة "موسى وحماد" موسى وهو نظير عيسى الكاتب وحماد صديقه ورفيقه في النضال الحزبي في مدينة البصرة. موسى الفقير وحماد الثري البرجوازي. هذان النقيضان هما خطا الرواية المتوازيان اللذان يكشف من خلالهما الكاتب الصراع والتناقض بين الواقعين "الفقر والغنى" بعيداً عن أيديولوجيا آمنا بها لكنهما عجزا عن التغيير.
ذكريات موسى داخل العراق وحماد خارجه متجولا بين بيروت ودول أوربا الشرقية. والبون شاسع وكبير.
خصص الكاتب جزءا كبيرا من الرواية ليعبر عن آرائه في ما جرى ويجري في العراق على مدى عقود من عمره الذي عاشه في مدينة البصرة وكذلك استطاع ان يقدم لنا أرشيفا مهما من تاريخ هذه المدينة.
الرواية أيضاً مليئة بالأحداث الدرامية المشحونة بذاتها دون أن يتكفل الروائي عيسى بتحميلها من الوصف أو التعزيز العاطفي لإثارة القارئ بسياق السرد. فقد كان الكاتب عقلانيا حتى في عشقه الوحيد الذي ظل ممسكا نفسه عن السؤال عن حبيبته ضحى حتى آخر لحظة من نهاية الرواية ليعلم أنها قد ماتت لكن دون أن يعبر عن ردة فعله تجاه هذا الخبر.
لقد عمل الكاتب على إظهار معاناة موسى الفقير والتي تسبب بها حماد البرجوازي رغم أنه منتم إلى الحزب نفسه اذ فرق بينه وبين حبيبته ضحى أخت حماد للاختلاف الطبقي بينهما. حماد الذي ليس له هم سوى الجنس والنساء فهو يتنقل من مدينة إلى أخرى بين أحضان النساء لا غير رغم أن قلبه عشق وتعلق بامرأة من بيروت حرص على المجازفة بالعودة لإنقاذها من الحرب الأهلية في لبنان.
لقد شعر الكاتب منذ البداية أنه كتب ما هو فائض في بعض أجزاء الرواية وقد أشار إلى ذلك ولكنه بقي محافظا عليه ولم يتخلص منه وكادت أن تفلت مني في الاسهاب الذي بدا مملا في الجزء الخاص برفقة موسى لسائق القاطرة الذي لقب نفسه بالحمار والحوارات التي كانت تدور بينهما في توصيف الواقع العراقي ما بين الأمس واليوم وكأني اتصفح منشورات لمواقع التواصل الاجتماعي ويبدو أنه كان متأثرا بها.. بينما احكم السرد بمتعته في التفاصيل المتعلقة ببقية أحداث الرواية.
رواية تستحق القراءة ولكن لا اعلم إن كان الجيل الجديد تستهويه قراءة فترات زمنية مضت فكانت تاريخا وقد كره معظمهم التاريخ.. ولكنها في كل الأحوال إضافة مهمة إلى الرواية العراقية ستبقى تحتفظ بذاكرة وطن للأجيال القادمة.