ادب وفن

علي حمدان.. بطل أسطوري يعانق "صهيل البرق "/ عبد العزيز لازم

انه عنوان الديوان الرابع للشاعر علي حمدان الفالح "صهيل البرق يشرب نخب اغترابي". ورغم ان الشاعر كان قد نشر قصائد والقى غيرها من فوق المنصات لإحياء عدد من المناسبات الوطنية ، الا انه حسم أمره فأطلق تجربة جديدة تصنف كديوان لكنها قصيدة طويلة واحدة غطت الكتاب كله.
يحاول العنوان الربط بين قوى الطبيعة وهموم الانسان مستخدما مزايا متخيلة لكنها مؤنسنة تمثل اصداء لهموم البشر ومشاغله ، وهناك صور عالية التفصيل تتحدث عن مجريات وخطوب تحدث للبطل الرئيس أثناء مسيرته نحو أمل غير واضح المعالم لفظيا لكنه قابل للتخيل من قبل القارئ.
رغم ان القصيدة طويلة وذات طابع اسطوري ، الا ان الشاعر لجا الى تقسيمها الى أجزاء محصورة بين اقواس مستطيلة ، وهذا قد يدفعنا الى اطلاق تسمية القصيدة العنقودية لأن هذا التقسيم القوسي لا يخلق انقطاعات بين أجزاء القصيدة سوى الاقواس التي هي ليست كيانا لفظيا بل وسيلة وظيفية قسّمت القصيدة الى خمسة وثلاثين عنقود يتحدث كل منها عن تجربة كفاحية عاشها البطل او عاشها غيرة في مراحل نضالية من أجل العدالة الاجتماعية وسعادة الشعب وحرية الوطن. وقد سبق للشاعر ان أصدر ثلاثة قصائد طويلة في اعوام سابقة صنفت على انها مجاميع شعرية .
يبدأ الشاعر رسم طريق رحلة البطل وفيها يذكر اسمه بين فينة وأخرى على انه البطل المعني بالملحمة "وترن راسخة في الذهن - كلمات النسوة – ما كنا نظن – حمدان يخلف بلوى" لكن خطاب البداية يؤسس كيانه قبل ذلك في سياق "العنقود رقم 1 " التي جاء في خاتمتها:"...كتب ترفض الموت والمقصلة – نقرأ – لتتشكل الاسئلة".
هذا هو نصيب البطل صاحب القضية من مجموعة الإحتيازات التي امتلكها الآخرون من أبناء المدينة الذين تعرضوا للرحيل الاضطراري :"رفاق الصبا انتشروا في الحواري – مهجورة يدمغها الغياب – المخيف - ...... النساء ارتحلن مساء – من شدة البرد – توشحن معاطف الفرو – واللغة المبتكرة – في حقائب الجلد – الحمر والسود" اي ان الرحلة اكتسبت صفة الجماعية بشمولها مختلف الاصحاب وفئات الناس وهذا ما يفسر شمولية الضغط والاضطهاد الذي يتعرض إليه الناس فتتحول تجربة البطل الواحد النضالية الى بؤرة حكائية لتصوير حجم وتفاصيل الضيم الذي لحق بالناس عموما. فالبطل الملحمي يجعل من تجربته و"اغترابه" مستودعا للأساطير الشعبية التي تؤسسها حركتهم وردود افعالهم تجاه الظلم وترسم مواقفهم من ذلك.
ولأجل تصعيد المعنى الاسطوري للأحداث يلجا الى الإمعان في تصوير حجم البشاعة التي اتسمت بل اساليب الاضطهاد مع إظهار حجم البطولة وصلابة المواقف التي اتخذها البطل الرئيس وهو يتجرع اغترابه تحت ايدي الجلادين :"اعيتني ... الوقفة مقلوبا – والحبل النافذ في الخشب – الضاغط قدماي "المفردة للشاعر" ... ينهشني – كالقط المتشبث باللحم – والروح تسعى – على مضض نحو الرحيل – السياط جارحة والعناء ثقيل – الليل كم النهار طويل – مسجى على خرقة – يمرح القمل فيها".
علينا ان نضع في البال ان القصيدة بأكملها لا تسمح بالشكوى بل تفتح الباب واسعا امام المواقف البطولية من قبل البطل الرئيس , فرغم هول العذاب الذي تعرض اليه البطل صار الصبر والجَلَد مفتاحه الاول للخلاص من المحنة . فهو رغم الضيق المحكم يرى :"النوارس عند الغروب – ترسم شكل الغمام – في الفضاء المهيب – وتمضي في سرب طروب – للمهاجع في كل حدب وصوب – تنثر الاشواق ...تمد التخوم – أثدية تلاقي العيون – بيضاً معلقة في السلال".
هنا يلجا الشاعر الى الرمزية المنطقية فالنوارس تصور حلم الحرية والانعتاق والسلال المتخمة بالبيض تبشر بالخير الآتي . هنا ينعتق البطل من الاغتراب الرهيب بعد ظهور البرق الجبار الذي سينير الارض بوهجة ويزيح الطغاة ويقبرهم بأوهامهم.