ادب وفن

ألفريد سمعان .. الرمز*

الاحتفاء بألفريد سمعان الشاعر والمناضل والانسان، انما هو احتضان لأمثولة انسانية ووطنية وثقافية مضيئة، لمسيرة حافلة ثرّة تعود بداياتها الى ما قبل سبعين سنة ونيف. الى الزمن الذي وضعت فيه الحرب العالمية الثانية فيه اوزارها باشهار انتصار الشعوب على الفاشية، وبزغت فيه، عندنا في العراق ايضاً، مرحلة النهوض الذي انطلق جسوراً وثامراً بقيادة الاحزاب والقوى الوطنية ورواد الثقافة الوطنية الكبار وظل يتصاعد معمداً بالتضحيات الجسام والابداع الفريد، حتى بلغ غايته بازاحة العقبة الكأداء امام ذلك كله، المتمثلة في النظام الرجعي القمعي الملكي السعيدي، وذلك في ثورة 14 تموز 1958.
في فجر ذلك الزمن المضمخ بالأمل والتفاؤل بالمستقبل، والمضطرم بالحيوية والحركة والكفاح، سياسيا وثقافياً، نزل الفتى ألفريد سمعان وكثيرون من مجايليه الى المعترك، وانظووا تحت لواء الحركة الوطنية وقواها السياسية الحية، يخوضون الصراع المشرّف من اجل الحرية والديمقراطية والغد الافضل للعراق والعراقيين.
آنذاك، قبل سبعة عقود من السنين، اقتحموا ذلك المعترك المفعم بالآلام الى جانب الآمال. صعدوا الى عربة قطار النضال الشهير، المنطلق قدما لا يكل ولا يتراجع، على الطريق الشهيرة هي الاخرى بما يحفُ بها من صنوف العذاب، وعوامل الاحباط، ووسائل الترغيب والترهيب، وكمائن الغدر والموت. وفي كل محطة يتوقف فيها القطار لالتقاط الانفاس، كان هناك من ينزلون ويتركونه، بعد ان اعياهم السفر الطويل ولم يعودوا قادرين على المواصلة. وفي المقابل كان ثمة من يصعدون ملتحقين بمسيرة الحياة والنضال، يغذونها بالطاقات الجديدة ويشقون امامها الطريق الصعب وسط حقوق الالغام.
وبين هؤلاء واولئك كان هناك من يتفانون بين المحطات، جاعلين من انفسهم جسورا للقطار العابر، فيتسامون شهداء لا تنسى مآثرهم. وكان ثمة الى جانبهم من ينجحون في مراوغة المخاطر الجمة المتربصة بهم من كل صوب، ويلبثون متحملين صابرين صامدين في قطار الحياة والنضال المندفع، مهما طال الزمن.
الى هؤلاء الأخيرين الصامدين حتى النهاية، الذين يتحدون الترهيب ويحتقرون المغريات، ينتمي هذا الفتى الذي نحتفي به اليوم: الفريد سمعان جسداً، والكبير روحاً وفكراً وعنفواناً انسانيا وتحديا متجدداً.
في مجرى نشاطه وكفاحه الطويلين في صفوف الحزب الشيوعي، تربى ألفريد سمعان على حب الناس، والكادحين المحرومين منهم بنحو خاص، وعلى الايمان بعدالة قضيتهم وحقوقهم وواجب السعي المتفاني لتطمينها.
ومعلوم ان هذا الحب للناس والوفاء لهم هو اساس حب الشعب وحب الوطن والولاء لهما. وهو منطلق الرفض والتصدي لكل من يجور عليهم ويستغلهم ويسرق لقمة عيشهم ويمتهنهم ويذلهم، سواء في الداخل او من الخارج. وهو منبع القوة التي ظلت وما زالت تعمر قلب أفريد سمعان وقلوب كل المناضلين ضد الظلم والقهر والعسف، ومن اجل خير الناس والشعب والوطن ومستقبلهم الافضل.
لقد بدأ ألفريد سمعان مسيرته الحياتية والنضالية والابداعية، وهو يقرأ ويتأمل وصايا الرفيق فهد الشهيرة الى اعضاء الحزب الشيوعي. وفي معمعان الحياة والنضال والابداع، وفي غمرة تجارب السنين الطويلة بمرها وحلوها، اختبر تلك الوصايا البسيطة والعميقة والحكيمة، واستوعبها وتشبع بها، حتى صار هو نفسه في النهاية تجسيدا حياً لها.
صار هذا الانسان والشاعر والمناضل، الذي نتحلق حوله اليوم محتفين، ومعبرين عن الامتنان لكل ما وهبنا اياه، ولا يزال.
ــــــــــــــــــــــــــ
*ألقاها الرفيق مفيد الجزائري في الاحتفال بالشاعر والمناضل الكبير.
"مقتطفات"