ادب وفن

في الطريق الى اتحاد الأدباء */ ابراهيم الخياط

"١"
شاعرُنا المعاضيديُّ الشهيد، وفي قصيدتِه الشهيرة "ظنون"، يقولُ مرةً: في الطريقِ الى الحبِّ،، ويقولُ مرةً أخرى: في الطريقِ الى الحربِ، ثم يقولُ: في الطريقِ إليكِ.. وهكذا تترى المتوالياتُ الى، وحينَ هممتُ أنْ أُعنّوِنَ المقالَ هذا بـ (في الطريقِ الى اتحادِ الادباءِ)، فرحتُ جمّاً لأنَّ عنوانَ كتابِ أستاذِنا السيّد عبد الحليم المدني يحملُ النحتَ نفسَه.
بادئ ذي بَدءٍ، أُنوّهُ بأنَّ الناسَ، عامةَ الناسِ، لا تعرفُ المراجعَ الكبارَ بل تعرفُ وتتعرفُ وتتعاملُ مع وكلائِهم، وعندَهم رأيٌ - أي عندَ النَّاسِ - أنَّ أولاءِ الوكلاءَ هُمُ المراجعُ، اذ مِن بيوتِهم المقدسةِ تُعلنُ الأعيادُ، والى بيوتِهم المباركةِ تذهبُ أموالُ الزكاةِ والخُمسِ، وفي بيوتِهم المُنوّرةِ تُحلُّ العُقدُ والمشاكلُ، فيكفي أنّها بيوتُ السادةِ، ويكفي منيَ القولُ: أنَّهُ بيتُ السيّدِ عبد الكريم.
"٢"
حسينيّةُ بعقوبة، تأسستْ بمبادرةٍ من الخطيب السيّد صالح الحلي، واكتملَ بناؤها بثلاث سنواتٍ على مدى ١٩٢٠ - ١٩٢٢، وبقيتْ طوالَ ستِ سنواتٍ متتاليةٍ مكاناً للمآتمِ الحسينيّةِ في شهري مُحّرمٍ وصَفَر، وللخُطبِ والمواعظِ في شهرِ رمضانَ حتى حلّتْ سنةُ ١٩٢٨، فكلّفتِ المرجعيةُ العليا وكيلَها في مدينةِ "بلد" السيد سعد الدين عبد العظيم الشديدي كي يُصبحَ وكيلَها في مدينةِ "بعقوبة"، فكانَ لها ما أرادتْ، وحلَّ السيدُ سعدُ الدين في بعقوبةَ، وحوّلَ الحسينيةَ من مكانٍ لأداءِ الطقوسِ فحسبُ الى مدرسةِ علمٍ وأدبٍ وفقه، فكانتْ ثَمّةَ دروسٌ في الحقولِ المعروفةِ فضلا عن الواجبِ الأوّلِ للمسجدِ ألا وهو العبادةُ، وكانتِ الحسينيّةُ مثلَ الشمسِ تمنحُ ضوءَها للجميعِ، فانتظم مِن ضمنِ مَن انتظمَ في حلقاتِ دروسِها في الثلاثينياتِ المنصرمةِ ابنُ السوامرةِ الساميةِ أستاذنُا المعروفُ الدكتور يوسف عزّ الدين.
نعودُ إلى سيّدِنا سعدِ الدين ونضيفُ أنّه كانَ مرجعَ بعقوبةَ وضواحيها وأقاصيها طوالَ إحدى عشرةَ سنةٍ حتى وفاتِهِ آواخرَ سنةِ ١٩٣٩، وقد أنجبتْ له زوجتُهُ الثالثةُ عامَ ١٩٣٢ إبنَهُ البِكر الذي سيكونُ له شأنٌ بين الأدباءِ وفي اتحادِ أدباءِ العراقِ.
"٣"
عامَ ١٩٤٠، وبتكليفٍ من المرجعيةِ العليا يأتي السيّدُ عبدُ الكريم المدنيّ بعدَ وفاةِ السيّدِ سعد الدين الشديدي فيُصبحُ سيّدَ البلدةِ البعيدةِ ومرجعَها، وفي عهدِهِ الحميمِ ترتدي حسينيّةُ بعقوبةَ حِلْيَةً أخرى لتُصبحَ صرحاً دينياً وعلمياً وعُمرانياً شاهداً بعدَ أنْ شمختْ عليها مِئذنةٌ هي الأعلى في طُولِ العراقِ وعَرضِهِ، ثم يؤسسُ السيّدُ عبدُ الكريم مكتبةً عامرةً في الحسينيّةِ، ونتباهى نحنُ فِتيةُ المدينةِ العاشقونَ المتيّمونَ بنهلِ المعارفِ إذْ نحملُ إبّانَ السبعينياتِ في جيوبِنا الفقيرةِ هُويّةَ المكتبةِ الثرّةِ الثريّة.
ومنذُ اليومِ الأوّلِ، وعلى سُنَّةِ المراجعِ الكبارِ، بدأتْ الحلقاتُ الدراسيّةُ للسيّدِ عبد الكريم، ولكنّها انمازتْ - عن مثيلاتٍ لها سابقاتٍ - بالتعددِ والتنوع وحتى أنّها تمددتْ خيراً وآوتْ أطيافَ قوسِ قزحِ بعقوبةَ برُّمتِها، وبقيتِ الحسينيّةُ مثلَ الشمسِ تمنحُ ضوءَها للجميعِ.
وتتكرر حالةٌ لتُصبحَ مفارقةً لطيفةً، فقد أنجبتْ الزوجةُ الثالثةُ للسيّدِ عبد الكريم عامَ ١٩٤٤ ابنه البِكرَ الذي سيكونُ له شأنٌ بين الادباءِ وفي اتحادِ أدباءِ العراقِ، فيتبوأُ السيّدُ عبدُ الحليم المدني رئاسةَ اتحاد أدباءِ ديالى ولدوراتٍ عدّة، ولا غَرْوَ فبيوتُ المراجعِ دفّاقةٌ وتهِبُ البلدَ الأمينَ العظيمَ خيرَ الأبناءِ من أَهلِ العلمِ والعقلِ والأدبِ، فهذا الاستاذُ عبدُ الحليم ههنا هو الاحتفاءُ والمُحتفي والمُحتفى به، وذاكَ كاظمُ سعد الدين الأديبُ والصحفيُّ والمترجمُ الفذُّ لما يزلْ يعيشُ في قِبلتِنا بغدادَ، وما زالتْ دارُ الشؤونِ الثقافيةِ العامةِ تضوعُ باسمِهِ الليلكيّ.
سلامٌ على الباذلينَ..
سلامٌ على المانحينَ..
سلامٌ على المراجعِ الكبارِ الذين وَجّهوا أبناءهم كي يكونوا روافدَ لنهرِ العراقِ الثالثِ، اتحادِ الأدباء...
سلامٌ على قَرينِ الملائكةِ السيّد عبد الكريم..
سلامٌ على أستاذي وشيخي السيّد عبد الحليم..
سلامٌ على موئِلنا وملاذِنا وملجئِنا ومرجعِنا اتحادِ أدباءِ ديالى..
سلامٌ على بعقوبةِ الصوبين..
ــــــــــــــــــــــــــ
*ألقيت بالانابة في احتفالية اتحاد أدباء ديالى صباح الثلاثاء ١٢ أيلول ٢٠١٧ على قاعة كلية الهندسة في مناسبة صدور كتاب (الطريق الى بعقوبا) للأستاذ عبد الحليم المدني.