ادب وفن

"متحف منتصف الليل".. تنوع البنى السردية / سالم محسن

في "متحف منتصف الليل" للروائي باسم القطراني يتعدد الروي الى مستويات عدة عبر مسيرة التحولات التي تدل على الاضطراب، وفي فترات زمنية مختلفة، حيث لم تكن هذه التحولات جوهرية، بل هي تؤكد احداثها، وهذا يشير الى علاقة هذه الاحداث مع الموروث، ويصل الى اعلى مراحله من هيمنة الحكي الخرافي، إضافة الى علاقة المكان وأن كانت ذات طبيعة نائية، فهي لم تحافظ على براءتها، حيث آبار النفط والثروات الطبيعية صارت وبالا عليها، وعبثا تحاول شخصيات المخطوطة أن تأخذ مسارا غير ما مكتوب لها، لأنها جزء من مرجعيات متوازية مع ما هو نمطي، أي أن حالة التناوب بين اللاوعي والوعي والعلاقة المضطربة قد أنتجت نهايات متوقعة ضمن مناخ الرواية، لكنها لا تقدم لنا أي إشارات مستقبلية، وهذا يرتبط بصورة واضحة مع نمط سردي ليس غريبا على القارئ المتابع، وأن الرواية تداخلت فيها الفنون الاخرى، حيث تشير الدلالات والعلامات داخل رسم المشاهد وتناميها مع الاحداث على الاستفادة الواضحة من تلك الفنون المجاورة مثل فن كتابة السيناريو، وأن سقوط القذيفة على "متحف منتصف الليل" في أواخر الرواية، يدل على أن نوع النهاية ويعطي معالجة للحدث ونجدها مقبولة باختيار نسق من بين مجموعة من هذه الانساق المتعددة
البنية المعمارية
تحتوي الرواية على 11 فصلا مع إهداء في المقدمة واعتذار في نهاية الرواية، بإشارة الى أن الرواية كتبت في عام، يتكون من 12 شهراً، هذا لو اضفنا الاعتذار على انه فصل من فصول الرواية لما له من علاقة مرتبطة بكشف اللثام عن غوامض الاحداث، ومن المعروف بان الارقام المطلقة مثل 12 أو الزوج في مضاعفات العدد 2 التي تدل على الاتزان والكمال والتناغم والانسجام، بعكس الارقام الفردية مثل رقم 11 يدل على القلق والاضطراب لترتيبه ما بين عددين زوجيين هما 10 و 12 ، ومن زاوية اخرى فان 11 كرقم معماري غير مألوف في الاستخدامات، فهو ليس من مضاعفات الارقام الفردية، ولا من الارقام الزوجية، واذا ما اردنا ان نعكس هذه العلاقة مع سير الاحداث في الرواية، سنجد بان سميرة بنت هارون قد تزوجت حردان من خلال لعب الورق حصل مع ابيها في جلسة سكر، وهذا ما يقود سميرة الى الهروب مع كمال سائق حردان، وهذه اشارة كافية على ان ما هو غير إرادي يؤول الى انحراف، ويكون ضحيته ولادة وعد المنغولي وموته، اثر تعرضه لشظية في راسه اثناء عمل ارهابي -وهو في حجر امه، وكل هذه النتائج قد جاءت من خلال الشكل الهش الذي لا يرتكز على قاعدة متماسكة
التنوع اللغوي
تنوعت استخدامات اللغة في الرواية من لغة الحوار الى لغة الوصف الى لغة المنولوج مع كسر المتوقع السردي، وقد بقيت لغة الايحاء والتورية والتهكم تعمل في هيمنة طغت على الرواية باستخدام الراوي العليم، ولم تتوقف هذه اللغة عند حد معين، بل وراحت تنتقل في حوار الشخصيات في عبارات ومفردات، أعطت الرواية الحس والشعور المعبر عن ازمة ما يجري في الرواية من احداث، تأوهات الجند المغدورين، إنها قرية البعير المحمل بالذهب وهو يبحث عن الشوك طعاما ولا يجده دائما، كائنات بحجم قبضة اليد تتسلل من بين طيات الكتب المصروفة في المكتبة ، - نحن هنا. . حاذر أن تدوسنا بقدميك..!!، نحن ابطال روايتك الهاربون روايتك "مجنون"، تسمي الحرية هدما، انا كاتب الرواية، - انا من طرف صابر فياض- لم يخبرنا عنك، كردلان الحياة كما هي، شبه طامورة، نبوءة هويدي الكشاف من سكنة بغداد في الشعلة "تعويذة ثوب الجنون"، انا دفنت الملازم أول "عافت عجيل"، متحف مرعب وغريب في آن، صبار يجند فرهاد كعميل إسرائيلي، تسقط قذيفة على متحف منتصف الليل.
الشخصيات
الرواية اكدت على تعميق الازمة الانسانية واتجهت الى العدمية بطرحها شخصيات من النوع السلبي، وقد اخذت مساحة كبيرة من الرواية، وان هذا الميل تجاه هذه الشخصيات دون طرح شخصيات ايجابية يشير الى أن الراوي في مخطوطة "مجنون + مجنون" يتفق مع الراوي العليم في توجيه احداث الرواية وحركة شخوصها، وهذا يقدم إلينا رؤية أخرى لقراءة الرواية من زاوية ثانية انتجتها العلاقة ما بين الراوي العليم وكاتب المخطوطة، وانا شخصيا لا ابرئ ساحة الراوي باسم القطراني من استخدام مستويات الروي الاخلاقي، بحيث عوض حضور هيمنة كلا الساردين "الراوي العليم، كاتب المخطوطة" عن اي شخصية ايجابية اخرى وفق وسيلة مبرر قد يكون القارئ غير متفق معه على هذه المعالجة، وهذا بحد ذاته يجعلنا نعيد قراءة الرواية على الورق وفي التواريخ المذكورة.
تداخل الفنون
تداخلت الرواية بشكل واضح مع احد الفنون المرئية وهو السيناريو، حتى وجدنا أن كل فصل هو عبارة عن عين ترصد وتعطي تفاصيل عامة عن الشخوص، ولكون الرواية من الروايات القصيرة، لم يتوغل عميقا في حياة شخوصه، إلا بقدر ما يدعم سير الاحداث المهمة، بحيث رأينا بان الشخوص السلبية هي الشخوص التي تأخذ اغلب الصفحات، لكن شخوصا مثل "اسعد" محمود – ابن المؤذن ووعد المنغولي وجميل ابن الحاج مصطفى والموظف في البنك كل هذه الشخصيات وغيرها التي ليس لها ادواراً كبيرة من حيث الفعل لكون عنوان الرواية وابطالها كانوا هم المهيمنين على الاحداث، وهم من يصنعونها، أما "وعد المنغولي" فهو نتاج سلوك غير أخلاقي الذي أنتجته علاقة "حردان" مع "سميرة" وأن اصابتها بالجنون من خلال شظية انفجار اخترقت رأس ابنها "وعد المنغولي" تدل على النتاج المشوه قد رفضته العناية الالهية لعدم وجود مبررات مقنعة لبقائه في بيئة غير قابلة لاحتضان وادامة حياته، وان تفجير الاحداث وتصاعدها وتناميها تجاه النهاية المأساوية بعد سقوط قذيفة على غرفة فرهاد وحردان، وأن تحول اللغة المحكية الى لغة واشارات مشهدية، أو صورية جعلتنا نذهب الى أن الرواية قد اخذت من صنعة السيناريو الكثير.
الحكاية الخرافية
تعتمد مستويات الروي على مجموعة من المهيمنات، وكانت هذه المستويات منها ما هو صريح، و ما هو مضمر، تحت أسماء وعناوين، وهي محصورة بين واقع مأزوم الى خيال لم يعالج ما تعانيه هذه الشخصيات، بل راح يؤكد ويعمق ازمتها، ويشل من ارادتها، وتتمثل المستويات الصريحة في "كابوس اسعد"، و"نبوءة القابلة ملوك والكشافة أم حرز " عن صديق اسعد و"عوذة هويدي" الكشاف الى سميرة، ومن الملاحظ بان كفة الماضي والذكريات كثيرة، ومع السرعة في تفجير الاحداث وتسارعها جعل الرواية تذهب الى تلاقي كل هذه المستويات في رقعة ممتلئة بالمصادفات والمفاجآت وفي هذا الجانب سوف نطرح سؤالا من صلب الاحداث وهو.
هل كان الراوي العليم يتعكز على اعدام المؤذن باعتبار هذه الجريمة من صاغت ما بعدها من الاحداث، أو أن المعلم صابر فياض المنزوي بعيدا عن مدارس المدينة كان لديه موقف تجاه احداث ما؟ وبالتالي فان المسافة بين واقع وخيال كانت مبررة ضمن المناخ العام الذي لم يخضع للشرط الانساني جعلت هذا الاسلوب يكشف تعاضد الواقع مع الخيال في وحدتي الزمان والمكان معا.