ادب وفن

نسمة أكتوبر1917 : لماذا آمنوا بالشيوعية؟ / مقابلة مع المؤلف

ترجمة: جودت غالي
ستحل الذكرى المئوية لثورة أكتوبر قريبا. إذا كان هذا الحدث الرئيس في التاريخ العالمي يظل موضع خلاف ونزاع فمما لاشك فيه أنه كانت له جاذبية استثنائية طبعت بطابعها وعلى المدى الطويل الحركة العمالية، خصوصا في فرنسا، وأثرت في التاريخ السياسي والثقافي للقرن العشرين. هل يوجد تصوير للالتزام الشيوعي غير تصويره بوصفه أملا يفضي الى نهايات تراجيدية؟ يجيب بالإيجاب بيرنار بودال المؤرخ وأستاذ العلوم الاجتماعية الذي ألف بالاشتراك مع المؤرخ كلود بينيتيه كتاب "نسمة أكتوبر 1917". لقد حلل المختصان بالتاريخ الشيوعي، بالاستعانة بالتاريخ الاجتماعي في ميدان التاريخ السياسي، السبب الذي دفع رجالا ونساءً نحو "الحلم الثوري"، وفيما يلي عرض موجز للمقابلة:
المحرر: خلال سنوات الثلاثينيات تجاوز عدد أعضاء الحزب الشيوعي الفرنسي 30 ألف عضو ومعهم 300 ألف صديق. لكي تفهما هذا الانتماء الجارف والأمل الذي علقه هؤلاء المناضلون على الاتحاد السوفييتي الفتي لجأتما الى أراشيف فريدة من نوعها: السير الشخصية الحزبية. لماذا؟
بودال: السير التي ندرسها والتي تم الكشف عنها مع فتح الأراشيف السوفيتية هي وثائق أصلية حررها القادة والكوادر والمناضلون الشيوعيون في سنوات الثلاثينيات بطلب من لجنة كوادر الحزب الشيوعي الفرنسي "لتدقيق" كوادره على أساس قاعدة معلومات غاية في الكمال: تاريخهم الاجتماعي، العائلي، المهني، الثقافي، السياسي، وغير ذلك. في تلك الفترة كانوا يكتبون باليد على الورق، وما يكتبونه يكون احيانا قصص حياة حقيقية، هذه الإجابات كان الحزب يستخدمها لاختيار كوادره. من جانب آخر كانت هذه التقنية الحزبية مستنسخة من النظام الداخلي للحزب الشيوعي السوفييتي وشكلت الرأسمال السياسي للحزب الشيوعي الفرنسي في المجتمع الرأسمالي، فمثلا الانحدار العمالي للكادر شرط للوعي الطبقي ويعطي أفضلية حاله حال التثقف الذاتي بالثقافة الماركسية. بالمقابل كان الرأسمال السياسي يلعب دورا مركزيا في الدول الشيوعية ونجد هذا الرهان السيري بعد الحرب العالمية الثانية في كل بلدان شرق أوربا والصين وفي جميع الأحزاب الشيوعية.
المحرر: كيف اخترتما السير الذاتية التي نشرتماها؟
بودال: اخترنا البعض لقيمة المعلومات التي تضمنها كما في حالة جول رافو الذي كان فوضويا في البداية. إن الوصف الدقيق لطفولته يعطينا أيضا فكرة عن ماهية البؤس العمالي، الحافز العظيم لنضال حياة بكاملها. واختير البعض الآخر لأنه يتحدث عن ظواهر مثل التحول من الكاثوليكية الى الشيوعية أو المواقف من محاكمات موسكو. بالإضافة الى ذلك قدمنا نماذج من المستعمرات كنموذج "عمار أوزيغان" المثقف ثقافة استثنائية والذي احتل فيما بعد مناصب رفيعة في الحكومات الأولى في الجزائر بعد الاستقلال، وأسعد رباح حيث نرى صعوبات النضال عند مهاجر لا يرى نفسه بالمستوى المطلوب، وكذلك لدينا الفيلسوفان جورج بوليتزر وبول نيزان اللذان شكلا موقفا معتادا بين المثقفين الشيوعيين الفرنسيين في الثلاثينيات.
المحرر: ما الذي نتعلمه
من هذه الوثائق؟
بودال: إنها تعطينا نظرة إجمالية عن هذا العالم النضالي الذي، بخلاف الكثير مما كتب عنه، طبع بطابع التعددية والتنوع. هذه السير الذاتية تجعلنا أقرب الى المصائر الفردية لكاتبيها، آخذين بنظر الاعتبار الوضع التاريخي والمهني والسيري لأصحابها، تقول لنا الوثائق بأنه توجد ألف طريقة لتكون شيوعيا سواء كنت كادرا أم متعاطفا. لنتذكر أنه في تلك الفترة، في النصف الأول من القرن العشرين، وقعت حربان عالميتان، وأزمة 1929، والحرب الأهلية الإسبانية، وصعود الفاشية، فترة لا وجود فيها للحماية الاجتماعية، وتوجد أسباب كثيرة للانخراط في النضال السياسي.
إن الذين كتبوا سيرتهم الذاتية نقموا على السلطة المالية ظلمها لهم وعلى الحزب الاشتراكي الفرنسي فشله في الوفاء بوعوده. في ظل كل هذه الأحداث كان مثال ثورة أكتوبر يبعث الأمل في النفوس، ولم نركز فقط على الشخصيات الاستثنائية، البطولية، ودورها النقابي والسياسي. سعينا أيضا الى تفنيد الافتراء القائل بأن الشيوعيين تعاملوا مع عقيدتهم تعامل المؤمنين بدين إيمانا أعمى، واستعننا بإسهامات علم الاجتماع والتاريخ الاجتماعي في تحليل ظواهر الأنصار والالتزام السياسي.
منذ العشرينيات تفردت الحركة العمالية الفرنسية بالتأثير طويل الأجل الذي مارسه عليها الاتحاد السوفييتي بوصفه مثالا يحتذى و"مقرا عاما" للثورة حسب تعبير المؤرخ إريك هبزبوم، ولم يكن يوجد في العالم الغربي كله حزب شيوعي بقوة الحزب الشيوعي الفرنسي، وترتبط المسألة الستالينية بهذا التاريخ ارتباطا وثيقا. إن التاريخ الذي نقترحه إسهامه متواضعة.
ــــــــــــــــــــــــ
* باختصار عن جريدة لومانتيه الفرنسية
مجلة الثقافة الجديدة العددين "392- 393"