ادب وفن

البيت الثقافي في البصرة يحتفي بالشاعر عادل مردان / علي ابو عراق

البصرة -علي ابو عراق
احتفى البيت الثقافي في البصرة الجمعة الماضية، بالشاعر عادل مردان، بمناسبة صدور مجموعته الشعرية (دائماً في صباح العالم). قدمه فيها الشاعر والتشكيلي هاشم تايه الذي قال: "في هذه المجموعة بقي عادل مردان أميناً، بصورة مدهشة، على جوهر تجربته التي يبدو لي أنها ترسم خارطة مديدة لرحلته الشاقة في عالم الذات حيث يجري عادة تنويم الواقع ومخلفاته بلا أسرّة، أو دفنه بلا قبور، وحيث لا مفرَّ للذات من مواجهته واستقباله مجدداً بعد يقظته أو نشوره وقد تغوّل وأفرط طولاً وعرضاً وغدا مخيفاً ولا معقولاً. وسوف يشقى شقاءً مرّاً، لكن بحصادٍ وافرٍ من اللذة الجمالية الخالصة، من يتقفى خطوات الشاعر عبر رحلته في متاهات ذات قلقة لا تكف عن الهذيان العميق في لهاث غير منقطع".
وأوضح: " وهذه التجربة أنجزت نفسها بتكوين جمالي لغوي حافظ على أهم شروط قصيدة النثر الحديثة: التكثيف، الإيجاز، الاقتصاد، وأفرد شخصيته بلغةٍ مُجازِفةٍ حرّرت نفسها، إلى حدّ بعيد، من القصد، واعتمدت سحرها الخاص منتشيةً بألعابها الحرّة، مستغلةً ذهول الذات القلقة عن نفسها، منتزعةً زمام القول منها، لتطير على هواها بجناحين من فنتازيا وسريلة في فضاء حرّ للتهويم تصنع فيه ما تشاء من ابتكارات، وخوارق":
وأضاف: "أظن أن قارئ عادل مردان سوف يعاني كثيراً لو أنه دخل عالمه بمفهوم تقليديّ عن الشعر كمجرد تمثيل ناسخ بالكلمات لتجربة معيشة يفترض حضورها بقرائن يتوفر عليها مثل هذا التمثيل، إذ يبدو لي أن قصيدته التي تكتب نفسها بنفسها متحررة من العلائق والروابط، فيها فاصلة زمنية مفقودة أو ملغاة من عمر تكوّن القصيدة، وأحسب أن هذه الفاصلة المفقودة سبب من أسباب استعصاء هذا الشاعر على قارئه. كأن عادلاً لا ينطلق من مادة بعينها، بل من خلاصة لهذه المادة، وهذه الخلاصة انتهت، في مبنى الذات، إلى مجرّد انطباعات انفكت عن كل رابطة، ومجال اشتغال عادل هو هذه الانطباعات المعزولة مفككة العلائق كالتماعات غازية من قارّة مجهولة. كأن التجربة لدى شاعرنا احترقت، وحملت الرياح رمادها بعيداً، ولم تخلّف سوى رائحة حريق مبهمة لا تفسّر شيئاً. فإلى أي تجربة يمكن أن ننسب قصيدته الجميلة (مديح اليابسة) التي تتحدّث عن غوّاصين يُحكمون أقنعتهم خلف جزر المرجان مرتعدين من الدلافين وهم يفحصون الخراطيم بين أسماكٍ فزِعة؟".
وأشار: أن "من بين مزايا قصيدة شاعرنا تلوينه لغتها بأساليب القول، اقرأوا قصيدته (معجم متنقل) في كتابه (من لا تحضره السكينة) وسوف ترون كيف تنقل بين صيغ التقديم والتأخير، والاستفهام، والتمني، والحذف، والحصر".. مستدركا " ومن هذه القصيدة سأختار مقطعين لأرسم لكم بورتريت هذا الشاعر".
منكفئاً على الأسمى
فوق دهشة الجماد
أدلق النور
.....
خطيرٌ على نفسي
ما أنا إلا معجمٌ متنقل
من الدماء والتطلّع
عندي هذه الألعاب
وأرغبُ في التحرّر"...
وخلص تايه: أن " ما يمكن قوله في عادل مردان شاعراً: إنه أحد الباحثين بقوّة وبلا هدنة عن (حياة أخرى للكلمات). وذلك ما يصلح تعريفاً له في كلمتي المحتفية بإنجازه المفارق الذي صنعه قدره كإنسان عاش في اسطورة اسمها البصرة".
وختم " لا تعوّلوا كثيراً على انطباعاتٍ قاصرةٍ لرسّامٍ مثلي عن فن هذا الشاعر. اذهبوا إلى كتابه (دائماً في صباح العالم) وسوف تعثرون في مفتتحه على دستوره الجمالي بقوانينه المحرِّرة قواه وخياله وغرائزه ليرتكب المعاصيَ والآثام عابراً قارّة الأعراف البالية في الفن إلى قارّة الجمال." الشاعر ورئيس اتحاد البصرة كريم جخيور علق في مداخلته عن المحتفى به قائلاً:" منذ أن التقيت به في نهاية ثمانينيات القرن المنصرم في سوق البصرة القديمة عندما كنت بائعا للكيك، وأنا كلما قرأت له نصا أتذكر حكاية صاحبنا عباس بن فرناس الذي حاول ذات يوم أن يمارس لعبة الطيران، فاستعان بريش ميت وشمع كاذب، أقول: يا ليته كان يملك شيئا من خيال هذا الكيمياوي المفلس الذي راح يربي الكلمات في حديقة الخيال لتغدو ثيراناً مجنحة يطير بها بعيدا .. بعيدا عن ضغائن اليابسة تاركا تفاعلات النحاس ..النحاس الذي صيره الآخرون بوقا لحصد الذهب وظل عادل مردان مكتنزا بنشيده الابدي.
وعادل مردان من مواليد البصرة، بدأ الكتابة والنشر في ثمانينيات القرن الماضي، واصدر ( فضاءات شرقية) ومن (لا تحضره السكينة ) و(غرفة نومي المفضلة) و (دائما في صباح العالم).