ادب وفن

الشيوعيون يعيدون للشعر الشعبي عافية مهرجاناته / حامد كعيد الجبوري

 

الحزب الشيوعي العراقي
مركز الإتصالات الإعلامية ( ماتع )
لا أعرف، وقد أعرف السر الذي يحمله الحزب الشيوعي ليتعلق به العراقيون الوطنيون بهذا الشكل الجدير بالدراسة والتحليل الموضوعي، كيف لا وهو من التصق بالناس وعاش معاناتهم وانطلق من رحمهم، ونطق بآلامهم وآمالهم.
في آذار عام 1974، احتفل الشيوعيون بعيدهم الأربعين، وصدر كراس ضم بين دفتيه (32) قصيدة لرموز شعرية شعبية عراقية تركوا بصمة واضحة على نمط كتابة القصيدة الحديثة، وهؤلاء الشعراء المساهمون في العيد الأربعين للحزب الشيوعي منهم من قضى نحبه، ومنهم من هاجر من بطش النظام السابق ثم عاد لبلده بعد سقوط صنم الدكتاتورية، ومنهم من بقي داخل العراق صامتا، لذلك كان من دواعي السرور أن يساهم من بقي من هؤلاء الشعراء الكبار بهذا المهرجان الوطني الكبير.
الساعة الرابعة والنصف عصر يوم الأربعاء 30 تشرين الاول 2013، كانت قاعة المركز الثقافي النفطي في بارك السعدون ببغداد على موعد مع المهرجان وقد امتلأت برواد الشعر الشعبي ومحبيه وفي مقدمة الحضور كان سكرتير اللجنة المركزية للحزب حميد مجيد موسى وقياديو الحزب مع حشد متنوع.
بعد النشيد الوطني والوقوف حدادا على أرواح شهداء الحزب والحركة الوطنية والوطن والشعب اعتلى المنصة عريف الحفل الشاعر (عبد السادة البصري) الذي أضفى بمختاراته الشعرية الكثير من الحلاوة

والطلاوة على الكرنفال، وهو شاعر فصيح لكنه وفي يوم الكرنفال البهيج كتب نصا شعبيا جميلا استهل به الحفل:
(كل سنة من سنين عمرك
ورد جوري وياسمين
كل سنة من سنين عمرك
يكبر ويانه الحنين
كل سنة من سنين عمرك
نكتب بدرب العشك
فرحة وأغاني
للوطن للناس
ننثر واهليه
كل سنة من سنين عمرك
نجدد الحب لطريقك
يا طريق الشعب أنت ويا هويه
يا سلام .. ويا محنه
وطيبة معجونة ويه دمنه
إكبر إكبر
وبعد إكبر ، وبعد إكبر ، وبعد إكبر ، وبعد إكبر
وننتظر عيدك الميه)
ثم قرأ القيادي في الحزب الشيوعي (مفيد الجزائري) كلمة الحزب فقال (شهران ويطل عام الذكرى السنوية الثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي، ذكرى انطلاق مسيرة أعرق الأحزاب السياسية، وقوى الكفاح الوطني والتقدمي العراقي، وأطولها عمرا، وأحد أكثرها وفاء للشعب وعطاء للوطن، وتضحية في سبيل حريتهما وسيادتهما وكرامتهما وتطورهما وازدهارهما، ودفاعا عن حقوقهما).
وعن رؤية الحزب للشعر الشعبي تقول كلمة الحزب فعبرت عن فرحة الشعراء الشعبيين بهذه الرؤية الوطنية الشيوعية للشعر الشعبي (ويهمنا جدا هنا أن نعود الى العلاقة الحميمة التي نشأت وتعززت بمرور السنين بين حزبنا الشيوعي والشعر الشعبي ومبدعيه. فقد كان الحزب على الدوام حاضنة حقيقية لهذا الشعر ولشعرائه، وداعما ثابتا له ولهم ولنموهم وتطور إبداعهم، حتى تحول هذا الشعر، على يد عدد من كبار مبدعيه الشيوعيين، الى ظاهرة إبداعية متميزة عراقيا، بل وعربيا. ويحق لنا اليوم ان نفخر بالكوكبة المخضرمة من هؤلاء الشعراء، الذين زرعوا بذور رقي الشعر الشعبي العراقي، وأسسوا لمدرسته الحية المتجددة، التي ظل يؤمها وينهل من إرثها الغني العشرات والعشرات من منتسبي أجيال الشعراء الجديدة. كما لا ننسى ان هؤلاء المبدعين الكبار احتضنوا الحزب الشيوعي بدورهم، ووهبوه وقضيته النبيلة ونضاله ومناضليه، أجمل وأروع ما أبدعوا وكتبوا).
وأعقب الكلمة عزف بهيج على آلة العود لأغنيتي (هربجي وياعشكنه) للفنان (علي حافظ)، وبعده جاء دور الابداع الصادق، الشعر الشعبي، فاعتلى المنصة الشاعر "نوفل الصافي" بقصيدته (الرسالة العملية لعراق الحب) التي لقيت استحسانا مميزا من الجميع:
(الكره يبطل وضوء
والتبات بحضنه غيبه يغتسل بأقرب نهر
للشوك دافي ـ على الأحوط ـ مرت بجرفه حبيبه
ولو سمعها ـ وإن سهوا ـ
يشطف اذنه نص نهار ابنده تغريد البلابل
اليمس خد الورد
كفارته يزرع حديقه
واليصافح جف جراده .. امنين ماجان
انتماءه وانتماءات الجراده فهو باطل ..
ديه يدفع للسنابل ـ حرك كونيه مناجل ـ
البيوت الخالية من طير للحب ما تصح بيها صلاة
اليطوف الناس بإحرام المحبه
حجته مقبولة ولا يحتاج للكعبه وصول
اليصلي وقبلته رموش الفقير
وما اجه اباله اشحجه اشكال الأمير
شلون ما رايد يكبر خل يكبر
اني أضمنله ابتسامه من الرسول
الدعاء بلا شعر للناس للحب
للأمل ... ما مستجاب)
ومن الموصل الحدباء شارك الشاعر "فدعم الحيالي"، وبدأ مشواره على المنصة ببيت من الأبوذية:
(سيوف الدهر بالدلال سني
ولا مرة بشماته ضحك سني
شيعي آنه وأخويه الحيد سني
عراقيين بالدم والهوية)
أعقبها بقصيدة جميلة يقول فيها:
(من شفت الضماير عالكراسي تموت
كراسي البيت كلهن موتتهن
شيعت الكراسي ورحت جناز
بكبور الغجر غادي أدفنتهن
رديت وضميري بطوله يمشي وياي
وحصران الكرامة انه فرشتهن)
ومن الناصرية شارك الشاعر "فاضل السعيدي" الذي ساهم بالعيد الأربعين بقصيدة ثبتت له في كراس (أغاني للوطن والناس) وجاءنا بقصيدة جديدة وهي "رغبات عراقية" وفيها مقدمتان يقول بإحداها:
(الحواسم مو فقط من باكوا
الحواسم بالسياسة هوايه
صاروا أبطال لمجرد لافتات
بيها كتبوا احنه جنه الرايه
وهمه ما جانوا ولا جانوا ولا
تنذكر أسماؤهم بحجايه
بالعكس جانوا من أبناء النظام
وهمه جانوا صوت بوقه ونايه)
وانتقل الى قصيدة (رغبات)، ومنها:
(عندي رغبه
أن أسولف عن صديقي
وعن رفيقي
وعن وكاحات الطفولة
وعن أبوي وأمي وأحلامي زمان
وعندي رغبه
أن أزور البرلمان
وأن أكلهم، قدموا شي للشعب
أو عوفوا المكان
وعندي رغبه
أن أحطم البندقية
وأن أسويها كمان)
ومن (الرميثة) بالسماوة اعتلى المنصة الشاعر "زهير هادي الرميثي" وهو يحمل بين طيات أبياته (بوسات) شيوعيات للحزب ورفاقه:
(جبت من الرميثه الكم
شعر ما تنطفي شموسه
وجبت وياي كلكامش
وساوه وتفكه مطموسه
وجبت شعلان للقاعه
يهوّس للحزب هوسه
اجيت ابكل وفه البيه..
أريد أطبع على اخدود الحزب
...........وأهل الحزب بوسه)
واستذكر الرميثي رفيق زنزانته، في مديرية أمن السماوة، "علي" صباغ الأحذية الذي رُحّل لأمن بغداد عام 1979 وفـُقد منذ ذلك التاريخ:
(بالسجن مره جنت.. دكوا عليه دغار
من جلدي شلعوا جلد.. وجوا ابصدري النار
جلادي مثل الشمر.. يطلبني يمكن ثار
علكني عالمروحه ..وبجفي دك بسمار
كال اعترف شأعترف.. ماعندي كل أسرار
شيوعي وأظل للأبد.. غير الحزب شأختار
كام المحقق كفر.. كال انته ما تنهار
كتله آنه نشوة نخل.. وبروحي أضم جمار
وتعلمت من فهد.. ومحمد وستار
تحت السياط أحتفل.. ودمي شمع لآذار)
ومن النجف الأشرف ساهم الشاعر "ستار الدليمي" بمستهل:
(لاتهديلي سيف اذبح اخوي تريد
وتظل تضحك علي وأتعذب ابضيمي
واحد والعَجل متشابكه ويه الجا
عراق اني وصعب هيهات تقسيمي
المذاهب وحده.. ابد كل فرق ما موجود
سيد موسوي لو سيد نعيمي
فتلاوي علي.. بس ساكن الانبار
وصار ابن النجف ستار الدليمي)
ثم قرأ قصيدته:
(اتصفح وجهي زين وكلب الاوراق
واقراني بتأني بخلك وافي
طالع وجهي.. اخذ منه اعترافات
البكلبي اعله وجهي وموش خافي
مايحتاج سوط وظلم جلاد
ضوكني ملح واخذ اعترافي
انه شايل بعض من طيب الانبار
وعلم المشهد وملحي شنافي
نهر مايي الوفه ماشح عله الناس
وحب الناس مزروع بضفافي
احب الناس كلها وسمح والله
يجافيني الرفيج ومااجافي)

ومن النعمانية (واسط) حضر الشاعر "محمد النعماني" وقرأ:
(صلب ناعور صندل من يلاكي الريح ما يفحط
زلم والحك جتيل بذمته امكمط
اذا يغفه وينام الليل
ما يغفاش ذيب أمعط
طبعنه احنه مراد الله
وطبع يونس يطلعونه ابحلك حوته
اذا ينحط
طبعنه احنه طبع برحي
وابد هيهات جذع النخل ما ينمط
يعربيد الحماد اهنا يالمركط
تره سنونك كلت نابك
بعد شيفيد لمض لسانك اليلعط
تكتر ذوله احنه جبال
يتباهه الصكر فوكاهه لو جل حط
زلم فهد وسلام وكامل وسعدون
واحدهم شهم حرّ عالفخر ينحط)
ومن بابل شارك الشاعر "طه التميمي" متغنيا بحب العراق والحزب الشيوعي ومخاطبا العراقيين الذين سيذهبون لصناديق الاقتراع:
(إحضر إنتخب شوف اليمثلك زين
مرة إصبع تصبغه موش يوميه
تصاوير الوعود الترست الحيطان
وشبعنه جذب واطعمنه صينيه
احسبها عدل واثبتها للتاريخ
وافضح للفساد وكل بلاويه
سونار الضماير كشف وجه الزيف
يعرض صور شعبي ابكل فضائيه
حط نفسك ابمجهر واكتشف ما بيك
وين.. ابيا شريعه تصيد سليه
وممنون امن أغني لشمعة الميلاد
ومبروك الحزبنه ومي سواجيه
يوم الواحد اتلاثين من آذار
مسروجه الشمس بس للشيوعيه)
وجاء دور شاعر آخر ساهم بعيد الحزب الأربعين عام 1974 وحجز مقعدا بالكراس الذي أصبح منشورا تداوله أيادي الشيوعيين والوطنيين (أغاني للوطن والناس)، هاجر هربا من بطش الطاغية المقبور وعاد لوطنه حاملا حبه الكبير لعراقه وشعبه وحزبه، إنه الشاعر "اسماعيل محمد اسماعيل":
(إجت سورة ضمير بريح
وزياك الشمس هدله
اعله بتها تصيح
مفطوم الضوه ...
يود يرضع جروحي
روحي اليا تعب ضويه ونبع روحي
وهيله اعله العطش ينحر نزف روحي
ولمن بيها الدوار التم
نبع من روحها ابنادم
يمزك ثيابها وينبت
خضار ودم)
وأيضا قال:
(اجت يحدي بضواها الريح
ومداور سفرها امناحر النجمات
كل نجمه ابرجها اتطيح
وظل سر العذاب يصيح
يا فو وووووووووووووووووووووو
تتلاكه الزنود
وشوفي يا هو يطيح)
ومن الشطرة (ذي قار) جاء الشاعر "كامل سواري" بقصيدته الشهيرة (مزاد علني)، وقد لبى دعوة الحزب وهو في ظرف صحي حرج وقد تفاعل الجمهور مع قصيدته التي أصبحت هوية له فيقول:
(من يشتري ...
وسط المزاد العلني
اسمي وهويتي ودفتري
قررت اظل بلا وطن
رحال حظي وقدري
قررت اصيرن غجري
ومن يشتري...
قيثارة حبي وعواطف وتري
وشعري وجوازي وحته فيزة سفري
ومن يشتري وسط المزاد العلني
قررت اهاجر عن وطن
طبة مغولي وتتري
وقررت اهاجر عن وطن
بية دخل نازي وبربري
ومن يشتري:
التاريخ كله ويشطب اسم الطبري
ومن يشتري...
اسمي وهويتي ودفتري
وبزمة قميصي الكودري
وجفن جدي الجايبه من الحج دري
لو حطو الشمس بيميني
وبيساري القمري
قررت اظل ابلا وطن
قررت اصيرن غجري)
ومسك الختام كان الشاعر "عمو ناصر" من البصرة، مع قابليته الاستحواذية على الجمهور بأدائه الممسرح فألهب القاعة التي غصت بالحضور استحسانا وتصفيقا وإعادة، وأهدى الحزب الشيوعي باقة من زهوره:
(حزب الشيوعي طعم .. لفه وبطل ببسي
كاعد أبنص القلب.. شتسوي بالكرسي)
وأهدى أيضا:
(حزب الشيوعي محب .. وتحبه كل أحزاب
ولو ردت أبسط مَثل .. مظفر النواب)
وأيضا:
(حزب الشيوعي شهم .. غيره وكرامة وشرف
ولو ردت أبسط مَثل .. عريان سيد خلف)
ثم قرأ:
(نوبات أضمك دمع .. من تنشف دموعي
ونوبات أعلكك شمع .. من يطفن شموعي
وشديت حبك ضلع .. من علكوني الربع
.. وانكسرن ضلوعي
كالولي احجي الصدك
كتلهم أحجي الصدك
بس يضوّن اشموعي
ولمن حجيت الصدك
كالولي حجيك جذب
كول النه من يا حزب
كلتلهم شيوعي
كلتلهم شيوعي)
ونزل "عمو ناصر" من المنصة مطوقا بتصفيق الحضور ولحين وصوله لمقعده في قاعة الاحتفالية التي كانت أجمل من الجمال، وألذ من الشهد، وكانت لها نكهة النضال والوطن والحزب وحميم أهلنا الطيبين.