ادب وفن

قراءة نقدية للمجموعة الشعرية "انقذوا أسماكنا من الغرق" للشاعر رعد زامل/ عباس باني المالكي

الاستناد على الذات كدلالة محورية من أجل كشف المدلول للواقع المتغير حولها, تتحول كل رموزها الموحية الى مفاهيم معنوية تحدد طرق هذه الذات في ايجاد الدوال المتقاربة أو المتصادمة معها, لأن الذات هي المفهوم القيمي لاستقراء عناوين المعرفة االسسيولوجية والتي تناظر كل الكيانات المؤثرة بهذه الذات, ويحدث هذا من خلال عمق التأثير التطوري لرموز وصور لهذه الكيانات والتي قد تتطابق أو تفترق في لحظة تصادمها أو انعكاسها مع رموز الذات, لأن الارتكاز داخل الذات تحدده صورة اللاوعي في الكثير من انعكاسات الوعي البصري أو ا?سمعي وحتى الفهمي. فالسلوك النفسي العفوي في طريقة الكشف الآني في لحظة تصادم هذه الذات مع جميع هذه الكيانات والتي تتسع أو تضيق حسب قدرة الذات على تحولها الى رموز معبرة عنها بدل هذه الكيانات, ونجد كل هذا في مجموعة الشاعر رعد زامل "أنقذوا أسماكنا من الغرق" والصادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد ,الرموز المستند على رمزية الأشياء في كل لحظاتها لحظة التصالح معها من أجل كشفها أو أعادة صياغتها حسب تقاربها مع رموز الذات أو لحظة التصادم معها من أجل تعريتها وبيان حجم التضاد بينها وبين رموزها غير الموضوعية وفي حركتها في ا?حياة حوله, لهذا كانت اللغة لدى الشاعر بقدر ما هي أداة تعبير تصبح أداة نقل لرموز الكيانات الأخرى الى ذاته من أجل أتساع الحوار في كينونة الرؤيا عنده وتصبح هذه اللغة كمرايا لانعكاسها الصوري الذهني وفق طاقة التخيل لديه لكي تستمر هذه الرموز بالتمازج أو التشابك الصوري التشعبي مع رموز الذات حتى تصبح هذه الرموز كرموز ذاتية معبرة عن باطن الاستنباط الفهمي للفكرة الشعرية عنده .
ص 13في نص هروب
ثلاثة قرروا الهرب / في أقرب صباح طازج / سمكة / لم تشعر بوجودها / تحت المياه / وحمامة/ اكتشفت إنها ترقد / على بيضة موقوتة / وأنا / المدعو رعد زامل سأفتح النافذة / وأتسلل من الحياة )
نجد الشاعر هنا يحاول أن يعطي البعد الوجودي امتدادا دلاليا لكي يبقى محافظا على أسرار الذات كمحور لهذا البعد لإيجاد المعنى المنعكس من خارج ذاته الى داخلها لأنها في كل حالات الترميز الوجودي المعنوي تسقط التأويل الدلالي في بعدها الوجودي من داخلها على كل الأشياء المتقاربة في اكتشاف الرمز المتطابق مع المعنى اللاوعي الذي يحاول الشاعر أن يعيد قيمته وأتساعه وإعادة اكتشافه لأنه التأويل المتحرك داخل ذهنية التصور المكون لفكرة النص والتي تحفز لحظة التعبير لديه لكي يعطي البعد الدلالي المعنوي بعدا ذاتيا إنسان?ا شاسعا ليعيد قيمته المنفلتة خارج التقييم الدلالي , و الشاعر هنا يعيد خلق الزمن النفسي المتراكب والمتراكم داخله اعتمادا على قدرة التحفيز الخيالي لديه وعلى قدرة ذهنية الإيحاء الموجزة بالفكرة التي يتبناها كرؤيا شعرية ذات بعد دلالي خارج الذات , حيث نجده هنا يبدأ من أول المقطع ليحدد الأعداد التي تعطي المعنى في التأويل المحفز على تقارب المعنى الذاتي مع تلك الأشياء حيث نجد هنا الزمن الخارجي هو انعكاس الى الزمن الداخلي , في تحديد الأعداد لكي لا تنفلت الفكرة عن محوريتها
وبهذا تصبح الذات عنده مرايا منعكسة على تحريك الزمن وفق قيمة المعنى في فكرة النص داخله, فنجد هنا "سمكة, حمامة, وأنا"، كل هذه الأشياء تخضع الى زمن ملغوم متفجر بقدر الرمز الخارجي نتفجر داخله لهذا يحاول ان يعيد كل هذه الأشياء الى الحياة ولكن بالزمن الذي يسعى إليه حيث حدد الهرب من أول المقطع "ثلاثة قرروا الهرب".
أن هذا فعل إرادي وليس منفلتا خارج قناعته الوجودية لأن سبب الهروب هو عدم شعورها بوجودها, بهذا يكون فعل الحركة لديه هو عدم الشعور بالوجود فيسعى للهرب لأن كل شيء خارج قدرته على التغيير بسبب فعل التجاهل, والشاعر حدد هنا بين الشعور بالوجود أو التسلل خارج الحياة والتلاشي هو بهذا يحدد أزمة وجودية في مسعى بأن تكون في مسارها الصحيح خارج القوة المسيطرة العمياء (لم تشعر بوجودها) ففعل الرؤيا عند الشاعر هو أزمة الذات في وجودها المتطابق مع ما تسعى إليه من حياة ....
ص 27 في نص نشيد رقم -1-
(كانت هنا شجرة / بين أغصانها / تحملني كأم / في الصيف تظللني بأهدابها / وبالعشب تدثرني / في الشتاء / كانت هنا شجرة / وكلما أشتد بي خوف / وانهمر على رأسي الرصاص / كنت بين أعشاشها / أخبئ أناي )
وهذا النص ما هو إلا مسيرة ذات الشاعر في اكتساب القيمة المضافة إليه من محور الأشياء الخارجية , فنجد هنا التدرج في كسب هذه القيمة من خلال انعكاس رموز الشجرة وما توحي اليه من عنصر الحياة ,والشاعر هنا جعل من الذات هي مركز الأزمة الوجودية , فتتحول رموز الشجرة الى توتر انفعالي داخل اللاوعي لأن الانفعال هو الزمن المفاجئ من انعكاس المؤثرات الخارجية في تركيب الصورة الذهنية ورموزها وبهذا أصبحت هي الرموز الموحية بما تحتوي الذات من مفهوم الى الشجرة كرمز محوري الى الحياة وامتدادها بما توحي بعنصر الحياة المتحرك ?اخله فأتخذها كصورة تعبيرية لحالته الباطنية وأخضعها الى انعكاس الفكر التصوري من ذهنية الزمن المؤثر فيه , فأصبحت هذه الشجرة هي الأم فانتقلت من الخارج الى داخله وأعطاها كل ما يوحي بالمعنى المبطن ولكل حالات الوعي الإدراكي وبما تمثله الأم "بين أغصانها / تحملني كأم" وتطابقت مع المعنى المتراكم داخله من فعل الأم في الحياة "في الصيف تظللني بأهدابها / وبالعشب تدثرني / في الشتاء" فتطابق عطاء الأم مع عطاء الشجرة , لكنه في نفس الوقت ولكي لا يجعل رمز الشجرة هو المسيطر على كامل وعيه "كانت هنا شجرة" فالشجر هنا ان?قلت من وعيه الانفعالي الى وعيه التراكمي الذي يحث اللاوعي على إنارة الجانب المفقود داخله , فجعل من الشجرة وعيا انتقاليا من الرمز الأم وما تمثله من حنين ومحبة الى دور الشجرة في الحياة, فامتدت بقدر الصور الذهنية المخزونة بداخله والى حد التطابق مع مفهوم عن الأم "كانت هنا شجرة / وكلما أشتد بي خوف/ وانهمر على رأسي الرصاص / كنت بين أعشاشها/ أخبئ أناي" وقد أستطاع الشاعر هنا أن يثير رموزه الداخلية على قدر محاكاة رمز الشجرة والتي تقارب رمز الأم داخله ...
ص 31 في نص من دفتر الجوع والعائلة
"من أجل أخوة/ زرعوا أيامهم/ ولم يحصدوا شيئا/ أقول :/ ذهب أبي / يشتري قمحا / كي يعيد للعائلة مجدها/ ولما رجع/ وجد أن الأرضة / قد أكبلت أواصر العائلة )
في هذا النص يتحول من رمز الأم وتأثيرها الرمزي داخله الى صورة الأب والأخوان وما يمثلوه من تشابك ذاته مع المعنى المتحرك خلالهم, والشاعر يتخذ من الصور القريبة من تحركه النفسي لكي يعطي الحياة التي حوله رموز الشعرية تقارب كل الرمز الموحية بالتقارب الرموز الخارجية, والنص لدى الشاعر هو امتداد زمني في المعنى والذي يتحول الى وعي إدراكي لحاضر الوجود الآني والذي بدوره يتحول الى توتر انفعالي رمزي يوحي الى أشارات اللغة التعبيرية, والتي تظهر كرموز إيحائية مرتبطة بمقدار الأزمة الذاتيه لوجوده الآني, فيكون الإيق?ع داخل النص انفعاليا نفسيا تترتب من خلاله المعاني المتطابقة مع رموزه الباطنية ومقدار تناظرها الى الرموز الخارجية في الفكرة الموحية داخل النص "من أجل أخوة/ زرعوا أيامهم/ ولم يحصدوا شيئا"، وهنا فعل متأخر عن القيمة الموحية بالوعي تجاه أخوته, لأنه مدرك أن قيمة الشاعر هي قيمة التعبير عن شروط الحياة بجملها وأسرارها الموحية, لأن أخوته لم يستطيعوا أن يصلوا إلى ما يعيشه من الداخل وفق ذائقة أزمته الوجودية المعبرة عن الحياة, ومن أجل أن يتسع المعنى أعطى الأب قيمة الحركة الخارجية في الحياة لكي يعمق أبعاد الترابط ا?معنوي داخل الأسرة ,والشاعر هنا يريد أن يؤكد أن فعل الارتباط داخل الأسرة ليس بالحركة الخارجية بل من محور القيم المعنوية بالانتماء, فالحركة الخارجية لا تنضج الداخل إذا كان الداخل مفككا لا يستند على انتماء واضح في العلاقات, وهنا أشارة الى أن التطور والإنضاج لكل شيء لا يمكن أن يحدث إذا لم يكن هناك قابلية من داخل هذاالشيء على التطور, فالخارج لا يمثل إلا محور انتماء متزحزح لا يستند الى قاعدة حية في الحياة إذا كان الداخل معزولا عن هذا الخارج "ذهب أبي/ يشتري قمحا / كي يعيد للعائلة مجدها/ ولما رجع/ وجد أن الأرض? / قد أكلت أواصر العائلة" فأن الداخل يحمل أسباب تهدمه وتلاشيه من داخله إذا لم تكن أواصره متفاعلة ومتطابقة كمحور انتماء حقيقي أي أن الخارج مهما كانت حركة الإنضاج فيه لا يمكن جذب الداخل إليه من أجل تطويره إذا كان في الأصل منهارا وغير متطابق مع بعضه ....
ص 45 في نص ثعالب وعيون
"لا أحمل رائحة للفتنة/ وليس في ملامحي / ما يثير الشبهات/ غير أن الثعالب والعيون/ تلاحقني في الأزقة / فقط لأن / قميصي مطرز بالعنب".